شوف تشوف

الرئيسية

فاطمة طارق.. ابنة الاتحادي التي تزوجت الاستقلالي حميد شباط

حين كان هنري فورد مخترع السيارات يردد قولته الشهيرة “وراء كل رجل عظيم امرأة”، اعتقد خصومه أن الرجل به مس من جنون العشق والهيام، قبل أن يكشف للناس عن الدور الذي لعبته زوجته في مساره، وكيف شدت أزره في الوقت الذي كان كثير من رفاقه وأهله يعتبرون حبه للاختراع مجرد ضربة شمس.
مع مرور الأيام، حصل تعديل بسيط لكنه جوهري في هذه المقولة، فانسحبت كلمة “عظيم” لتحل بدلها “مشهور”، قبل أن تصبح المرأة صانعة مجد الرجال تارة وصانعة نكباتهم أيضا. “الأخبار” تكشف عن دور زوجات المشاهير في تعبيد طريقهم نحو النجومية، وكيف تقمصن دور المستشارات، في زمن كانت فيه المرأة مجرد كومبارس في منظومة الأسرة.
لم يكن مقر حزب الاستقلال بفاس الفضاء الوحيد الذي تعرف فيه حميد شباط على فاطمة طارق، بل إن ما يجمعهما أكثر هو آصرة العمومة، لذا كانت التجمعات الحزبية والنقابية مجرد استكمال لتعارف نشأ في أحضان العائلة قبل أن تصبح له امتدادات سياسية.
كان حميد يبلغ من العمر 25 سنة، بينما كانت فاطمة تصغره بحوالي سبع سنوات، حين عبر النقابي الواعد عن رغبته في الارتباط بفتاة تشق طريقها في النضال، ونقل هذه الرغبة إلى العائلة التي فرقتها التيارات السياسية، فنال الموافقة المبدئية ما مكنه من تحويل المهرجانات السياسية إلى اختبار تجريبي.
لم يكن العريس يملك جاها أو شهرة أو علما، لكن ما جذب فاطمة نحوه هو فائض الطموح الذي يسكنه، فالتقني في الخراطة الذي يملك حسا نقابيا متطورا، لم يكن يتردد لحظة في الإعراب عن حلمه الكبير بأن يصبح زعيم حزب ونقابة وأشياء أخرى، بعد أن وضع «ليش فاليسا»، الرئيس البولندي الأسبق، عنوانا لهذا الطموح الجارف.
تزوج حميد، وقرر، بناء على وصية والده، أن يروض زوجته على مقاسه النضالي، وأن يصنع منها مشروع سياسية مع سبق الإصرار والترصد، لذا ظلت فاطمة تناديه بـ»سي حميد». وفي أول سنة زواج رزقا بابنهما الأكبر نوفل شباط، بعد أن اتفقا سويا على تعجيل الإنجاب وتأخير النضال.
ولأنها خريجة مدرسة حزب الاستقلال، وتحفظ عن ظهر قلب «مغربنا وطننا روحي فداه»، فإن فاطمة لم تتردد في حضور كثير من المحطات الحزبية والنقابية بمدن فاس والرباط والدار البيضاء وهي حامل، وحين تعود إلى منزلها وتنزع قبعة المناضلة، تدخل المطبخ وتنهمك في تحضير وجبات أقرب إلى معدة شباط خاصة «البيصارة». وحين انتقلت الأسرة إلى طبقة سياسية مخملية وأصبحت تملك الخدم والحشم، ظل الزوج يصر على أن تكون «البيصارة» من إعداد وتقديم فاطمة طارق.
أصر حميد على أن تظل فاطمة حاضرة في المشهد السياسي والنقابي والجمعوي، وألا تتوارى عن الأنظار للضرورة الأسرية، لذا ظلت تشغل مديرة حملاته الانتخابية منذ انتخاب زوجها أمينا عاما لحزب الاستقلال، بل إنها كانت تحرص على استقبال المهنئين بحي بنسودة الشعبي بفاس، معقل شباط، وكانت تشحن حميد برصيد مضاعف من الطموح، وتدعوه إلى السير في الطريق نفسها المؤدية إلى السلطة، حتى يبلغ منصب رئيس للحكومة.
قالت فاطمة طارق إنها تتطلع إلى أن يرأس زوجها الحكومة المقبلة عقب الانتخابات التشريعية القادمة، ودافعت عن قدرة زوجها على تدبير الشأن العام، إن تصدر حزب «الميزان» فعلا نتائج الانتخابات المقبلة. وحين مني الحزب بخسارة في عقر داره كانت فاطمة أول مساندة في المحنة التي ضربته في فاس، بل إنها اعتبرت الهزيمة مجرد خسارة في معركة وليس في حرب.
شكلت فاطمة الذراع الانتخابي الضارب لشباط، حين انتبهت إلى أهمية وخطورة التحصن بالقواعد الجمعوية ودورها في تحقيق مكاسب سياسية، وهو ما حصل حين أسس شباط «جمعية أوربة لمحاربة الفقر والهشاشة»، التي ترأسها زوجته فاطمة طارق. فقبيلة أوربة التي ينتمي إليها شباط وزوجته كانت أول قبيلة أمازيغية بايعت المولى إدريس الأول حين قدم هاربا من مجزرة «كربلاء»، وزوجته ابنتها كنزة الأوربية التي ولدت له المولى إدريس الثاني، حيث تم تأسيس أول دولة شيعية بالمغرب. لذا لم تقطع فاطمة الصلة مع قبيلتها ودفعت بابنها نوفل إلى بحر السياسة، ليصبح رئيسا للمجلس القروي لجماعة ابرارحة التابعة لقيادة باب مسيلة بإقليم تازة، بعد أن أصبحت فاطمة برلمانية وزوجة زعيم سياسي.
عاشت الأسرة معارك كثيرة مع الخصوم السياسيين والنقابيين، وهي المعارك التي جرى نقلها إلى جبهة الأسرة، حيث اتهم أغلب أبناء شباط بتهم اختلفت مضامينها واتفقت في جر الأسرة إلى القضاء، وهو ما اضطر معه حميد وفاطمة إلى إصدار تعليمات صارمة لأبنائهما «قصد الابتعاد عن كل ما من شأنه أن يستغل سياسيا ضد الأسرة، خصوصا وأنه دخل، في الآونة الأخيرة، في حرب ضروس مع الخصوم السياسيين».
ظلت فاطمة تلعب دور زعيمة الذراع النسائي لشباط وحزب الاستقلال في فاس، وحولت حي بنسودة الشعبي إلى قلعة لشباط، بل ومددت اختصاصاتها خارج هذه المنطقة حين كانت نائبة لرئيس مقاطعة زواغة.
من المفارقات الغريبة في حياة الزوجين، أن والد حميد ووالد فاطمة يرتبطان بعلاقة عمومة، وكان اسم شباط هو الاسم العائلي المشترك للعائلة، لكن في سنة 1959، حصل انفصال في حزب الاستقلال، فانتقل والد فاطمة إلى صف الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بينما ظل والد شباط وفيا لـ«الميزان»، وهو المنعرج الذي أرخى بظلاله على العلاقة العائلية بين الطرفين. وحين اشتد الانفصال وأصبح أمرا مكتوبا، اضطر والد زوجة شباط إلى استبدال اللقب العائلي بطارق، نزولا عند رغبة أبناء الحزب في فاس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى