فاتورة الحرب
إذن هي طبول الحرب دقت بين روسيا وأوكرانيا، والعالم يتجه بسرعة جنونية نحو المجهول، وتلك هي التكلفة الباهظة، التي تتحملها الشعوب حتى البعيدة عن ساحة الانفجارات، والفاتورة الأكبر ستدفعها الأجيال الحالية والمقبلة، فما من حرب نشبت إلا وكانت تداعياتها الأشد قسوة على حياة الشعوب ربما لعقود.
والحقيقة التي لا ينتابها أي شك هي أن الحرب الروسية على أوكرانيا ستؤثر لا محالة على استقرار الاقتصاد المغربي من عدة جوانب، سواء كانت تأثيرات فورية لإعلان الحرب وبدء العمليات العسكرية أو تأثيرات قد تحدث على مدى أيام أو أسابيع أو حتى أشهر أو سنوات. إن الذين يروجون خطاب الاطمئنان لأوضاعنا بإشهار مبرر البعد الجغرافي واهمون ولا يعلمون أن لهيب الحرب بأوكرانيا ستصل لظاه إلى موائد وجيوب المغاربة بشكل من أشكال، ولربما يكون التأثير أسوأ مما نتوقع.
وبعيدًا عن الحسابات الاستراتيجية والأمنية، تظل التداعيات الاقتصادية والاجتماعية هي القلق الذي يؤرق جفن الدولة والمجتمع على السواء، ففي تأثير فوري للعمليات العسكرية قفزت أسعار البترول العالمية خلال تعاملات اليوم بأكثر من 8 في المائة ليتجاوز مستوى 105 دولارات لبرميل خام برنت لأول مرة منذ عام 2014، والأكيد أن ارتفاع أسعار البترول بالأسواق العالمية يؤدي إلى زيادة تكلفة استيراده على المغرب، وبالتالي انعكاس ذلك على الميزانية العامة للدولة خاصة في ما يتعلق ببند دعم الوقود، حيث يحتاج صندوق المقاصة 100 مليار سنتيم كل ثلاثة أشهر لاستمرار دعم أسعار المحروقات.
كما أن ارتفاع أسعار القمح العالمية إلى أعلى مستوى لها منذ 9 سنوات، مع اندلاع هاته الحرب، وذلك بعد قفزتها بنسبة تخطت 5 في المائة أمس لتصل إلى 9.26 دولارات لـ 27.2 كيلوغراما، سيزيد من أعباء الميزانية العامة المثخنة بالجفاف وتداعيات كوفيد. وبالنظر إلى أن بلادنا ليس لديها اكتفاء ذاتي من القمح فستكون الفاتورة باهظة، خصوصا وأنه تربطنا علاقات تجارية كبيرة مع الدولتين المتحاربتين في مجال القمح والذرة والمحروقات.
ليس هناك من مجال للشك بأن شظايا التداعيات الاقتصادية والمالية والاجتماعية للحرب الدائرة في قلب أوروبا ستمس بلدنا، لكن حدود التأثير وحدته يتوقفان على ما ستتخذه الحكومة من إجراءات في مواجهة هذه التأثيرات المتوقعة، والدولة المغربية التي سبق أن امتصت صدمات جائحة كورونا وخرجت منها سالمة والأقل نسبة من التضخم والأعلى نموًا في الدول الإفريقية، والأكثر جذبًا للاستثمار، قادرة على مواجهة تداعيات الحرب الروسية لكن ليس على حساب جيوب المواطن.