غرازيا سكارفو.. السوسيولوجية الإيطالية التي لقنت كريم غلاب «نظرية الميولات»
حسن البصري
ظل كريم غلاب منذ طفولته خارج السياق التقليدي الأصيل، منذ ولادته في الدار البيضاء سنة 1966، داخل أسرة ثرية، والفتى يعيش حياة متحررة على النمط الغربي، إذ أن والده كان إطارا في وزارة التجهيز كاتبا عاما لصندوق التأمينات الخاصة بحوادث السير، ووالدته كانت تعيش حياة المجتمعات المخملية وهي المتحدرة من أصول فاسية، فأصرت على إلحاقه بمدارس علية القوم حيث درس بثانوية ليوطي الفرنسية بالدارالبيضاء. وبعد حصوله على شهادة الباكلوريا علمية بدرجة مستحسن، ذهب إلى فرنسا لمواصلة دراسته بمدرسة القناطر والطرق العريقة حيث حصل منها على شهادة مهندس في سنة 1990.
بدأ كريم مساره المهني وعمره 24 سنة، مستشارا في مجال التنظيم بمجموعة «أوروغروب كونسيلتان» بباريس. قبل أن يقنعه عميد مهندسي مدرسة الطرق والقناطر عبد العزيز مزيان بلفقيه بالعودة إلى المغرب، إذ عين مديرا إقليميا للتجهيز بالحسيمة ثم بابن سليمان. وعين في ما بعد مديرا للبرامج والدراسات بوزارة التجهيز، كأصغر مسؤول يتبوأ هذه المناصب.
خلال تواجده في أوربا تعرف كريم على زوجته الحالية غرازيا سكارفو التي سيضاف إليها اسم غلاب ليصبح اسمها ثلاثيا، كانا يقتسمان صفة الطالب الجامعي، إذ كانت سكارفو تتابع دراستها في المدرسة العليا للعلوم الاجتماعية بباريس، غير بعيد عن مدرسة القناطر والطرق، ولأن كريم كان متخصصا في الجسور فقد سارع إلى رسم مخطط يعبر منه نحو ضفة الشابة الإيطالية التي كانت بصدد التحضير للدكتوراه.
بين كريم وغرازيا فوارق فكرية واسعة، فهو مهندس قناطر يؤمن بالإسمنت المسلح كأساس لبناء شخصيته وهي المؤمنة بمبادئ بيير بورديو عالم الاجتماع الذي تتلمذت على يديه ونهلت من فكره خاصة أنه صاحب نظرية الممارسة وما يتفرع عنها من تفتيت سوسيولوجي للميولات والرغبات.
تخلص كريم من «تحجر» وتصلب شرايين القلب، وهو التقنوقراطي المتحدر من عائلة فاسية، لا تؤمن إلا بحب المصالح المفضي إلى الكراسي قبل القلوب، وأصبح يصلي على قبلة البندقية التي سقط في حبها وأصبح متيما بها قبل أن يحصل على الجنسية الإيطالية ليصبح مزدوج الجنسية والهوية.
حين شغل كريم في الفترة ما بين1997 و2001 منصب مدير الطرق والسير على الطرقات لدى وزارة التجهيز، نسج علاقة أفقية مع المدرسة الحسنية للأشغال العمومية، وسارع إلى إشراك زوجته في الطاقم التعليمي للمؤسسة، لكن خريج نفس المدرسة الاستقلالي بوعمر تغوان كان له رأي آخر، إذ بمجرد تعيينه وزيرا للتجهيز داخل حكومة عبد الرحمن اليوسفي، سرعان ما التمس من القصر تغيير ثلاثة مدراء، هم كريم غلاب مدير الطرق، والعربي بن الشيخ مدير الموانئ، ومحمد حلب مدير استغلال الموانئ. لعبت الزوجة دورا كبيرا في مواجهة الأزمة، وساعدت زوجها على الانحناء للعاصفة، قبل أن يعين مديرا عاما للمكتب الوطني للقطارات، مما أكد وجود سند لكريم خاصة وأنه ركب صهوة حزب الميزان التي ستجعله يتفوق على غريمه الزياني بوعمر ويركض نحو مناصب عليا انتهت به رئيسا لمجلس النواب.
ساعدت الميولات السوسيولوجية لغرازيا الوزير على السير بعيدا في المسار السياسي، وتمكن من انتزاع أصوات منتخبين في مقاطعة سباتة بالتيليكومند، دون الحاجة للتواجد في هذا الحي الشعبي، لكنه عجز في الولاية الثانية عن تكرار نفس الإنجاز.
يتقاسم كريم عدة هوايات مع زوجته، ليس فقط قراءة الكتب والروايات ذات النفحة الإيروتيكية، بل أيضا ممارسة الرياضة، خصوصا رياضة الكاراتيه التي ابتلي بها عندما تعاطاها ابنه وزوجته.
لكن ما ميز الفترة الأخيرة من ولاية الرجل على رأس وزارة التجهيز، إصراره على التعاقد مع شركة إيطالية تدعى «ساليني» مكنها من صفقة الطريق الرابط بين تطوان والجبهة، لكن الود مع «الطليان» كان قصيرا، إذ انتهت الحكاية بنزاع قضائي بين وزارة التجهيز والنقل واللوجستيك، من جهة، والشركة الإيطالية، بعد أن أعلن الجانب الإيطالي لجوءه إلى القضاء الأمريكي لأجل رفع دعوى ضد المغرب جراء عدم أدائه لمستحقات الشركة، وهو الأمر الذي جعل المملكة أمام غرامة مالية تقدر بالملايير.