غايات التفسير
د. عبد الجليل العبادلة
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد فاتح كنز الأسرار، ومشرق قدس الأنوار، في ما حواه القرآن العظيم وآيُ التنزيل من تجليات أنوار الذات، كشفا عن كنه أسرار التحقيق لمن اصطفاهم واجتباهم لحمل الأمانة والقيام بأعباء الرسالة، إرثا إلهيا ربانيا لكل ما أفاضه رب العزة والجلال على حملة الأمانة من الأنبياء والمرسلين وورثتهم إلى يوم الدين. وبكل ما آتاهم من الآيات الناطقة بأسرار الربوبية وجبروت عالم الألوهية، من غياهب غيب السر المكنون واللوح المصون الذي حرّم على ما سوى المطهرين أن يمسوا جوهر ذاته، أو يصلوا إلى مكنون ما يحمله من الأنوار والأسرار. فسبحان من تجلّى للعالمين ظهورا تاما مشهودا للعيان في مرايا هذه الوجوه الحسان التي كانت وما تزال منبرا لتلقي كلماته، وألواحا تتنزل فيها أرواح وحقائق كلماته. هذا الذي عليه المعوّل في تحقيق مطلوب كل باحثٍ عن الحقيقة الإلهية راغب في أن يلحق بركب الأبرار وصحبة الأخيار الذين هم خير البرية ليهتدي إلى ما هداهم الله إليه، وينال بصحبتهم كل ما نالوه من مكنة ومكانة ومقام محمود. هذا ما سنحاول الكشف عنه في تفسير ما تيسر لنا من كتاب الله تفسيرا يحقق الغاية من إنزال الكتاب على خاتم الأنبياء والمرسلين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
وقد أجمعت كلمة المفسرين والباحثين في علوم القرآن ومناهج التفسير أن الغاية من نزول القرآن تتمثل في أمرين: الأول هداية الخلق إلى الحق، والثاني كونه آية تحدّى بها الثقلين، وهاتان الغايتان تتمثلان في كل ما نطقت به آيات الكتاب الكريم حروفا وكلمات أو صورا وآيات، فإن مظهر الإعجاز متمثل في كل ذلك لمن جعل الله كلمات القرآن العظيم آيات بينات في صدره. والذي نلحظه في كتب التفسير أنها تضمنت من الأقوال والعلوم والمعارف التي هي من الوسائل والآلات التي بها يستعان على فهم الكتاب الكريم، فليست الغاية أن نسطّر كل علوم اللغة والبلاغة ومعاني الكلمات فضلا عن سائر علوم العربية وما توصل إليه الفكر البشري في كافة المجالات، فإن هذه ينبغي أن تكون عدة للمفسر، ولكنها وحدها غير كافية على النفاذ إلى روح الكلمات وما أودع الله فيها من غياهب علمه ومكنون جوهر روح أمره الذي جعله الله خاصا للمطهرين من عباده وخُلِّص أحبابه. فلما كانت كتب التفسير مشحونة بكل هذه الأثقال التي يصعب على كل أحد لم يتخصص فيها أن يُلم بها فضلا عن الاختلافات الكثيرة والأقوال المتعددة من أصحاب المذاهب والاجتهادات العقلية والعلوم الظنية والنظريات العلمية التي تظل محلاً للرفض والقبول. فالغاية من توجهنا إلى هذا التفسير بإذن الله تعالى أن نيسر العسير ونقبل على اللباب الذي هو بيت القصيد. والله وحده المسؤول وهو المأمول في أن يسخرنا لخدمة كتابه والكشف عن ما يحويه من كنز أنوار الهداية ومظاهر الرحمة والعناية للناس كافة، إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير، ونحن في ذلك إلى بابه متوجهون وفي محراب الولاء له عاكفون ومنه وحده متعلمون وعليه معتمدون وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وورثته إلى يوم الدين.