شوف تشوف

الرأي

عيد ميلاد شيخ الزاوية

يونس جنوحي

أصحاب الطريقة التي تعرف بـ«الكركرية»، وهي جماعة من الناس ينهلون من التصوف، أحيوا هذه الأيام عيد ميلاد شيخ الطريقة المسمى سيدي محمد فوزي الكركري، بمدينة طنجة، حيث أحيوا عيد الميلاد بكعكة كتبوا فوقها اسم الشيخ، وهو ما أثار سخرية الناس.
من يكون هؤلاء الناس؟ هم في الحقيقة طريقة لها زاوية وشيخ، ولديهم فلسفة خاصة في إحياء المناسبات الخاصة بهم، حيث يشتهرون بارتداء ألبسة مزينة يعلوها مهرجان من الألوان الفاقعة. وسبق لهم أن خلقوا الحدث في السنوات الأخيرة عندما انتشرت لهم صور من مدينة الناظور حيث أحيوا احتفالا بالألبسة الغريبة نفسها.
وهذه الطريقة في الاحتفال باستعمال الألوان والأسمال وقطع الثوب الكثيرة، ضاربة في القدم. الأمر الغريب الوحيد هو إحياء عيد ميلاد الشيخ بقالب حلوى وكتابة اسمه بـ«لاكريم»، مع غياب الشموع.
الفضول يقود طبعا إلى التساؤل حول التقويم الذي أحيوا وفقه عيد الميلاد، وما إن كان ميلاديا أو هجريا. إذ المعروف، في العالم الإسلامي أجمع، أن الملتزمين وشيوخ الطرق الصوفية وأعلام الزوايا يؤرخون كل مناسبات حياتهم بالتقويم الهجري وليس الميلادي.
لكن بما أن القضية فيها «لاكريم» والحلوى، فلا بد أن مسألة التقويم لا تهم أمام هذا الإبداع الجديد في الاحتفال بشيوخ الطرق على يد أتباعهم.
هناك جهل كبير في المغرب بمعظم الطقوس الاحتفالية التي سنتها الزوايا على مر قرون. إذ إن معظم هذه الطقوس انقرضت تماما، فيما تبقى طقوس أخرى بعيدة عن أعين الفضوليين من الناس. حتى أن بعض المشرفين على الزوايا، خصوصا ناحية الشرق، يفضلون أن تبقى الكاميرات والفايسبوك بعيدا جدا عن مظاهر احتفالاتهم وطقوسهم وعاداتهم، لأن انتشار صور لها يجر على أصحابها انتقادات وسخرية.
وهكذا فإن المتأثرين بهذه الطريقة الكركرية أثاروا السخرية بمجرد ما تسربت لهم أولى المقاطع قبل مدة، حيث سخر الناس من طريقتهم في الرقص ولباسهم الغريب، رغم أنه ليس غريبا على الثقافة القديمة في المغرب، حيث إن أتباع الزوايا كانوا يرتدون ما هو أغرب. ولولا المصور الأمريكي «توماس ماكفوي» الذي قام بجولات في المغرب ما بين سنوات 1943 و1960، لما عرفت لحد الآن بعض الطقوس القديمة لاحتفالات الزوايا التي انقرضت تماما بهجرة أتباعها من القرى الصغيرة نحو المدن، ومجيء جيل جديد من الشباب لا يعرفون أي شيء عن تلك الأضرحة المهجورة. إذ إن عدم انتقال طرق الاحتفال من جيل الاستعمار إلى الأجيال التي جاءت بعده، سببه المهاجرون الأوائل إلى فرنسا للعمل في المناجم، أو إلى الدار البيضاء للعمل في البناء والتجارة، إذ تركوا قراهم شبه خالية، وأنجبوا الأجيال الأخرى بعيدا عن مسقط رأسهم، وهو ما أدى تماما إلى اندثار بعض الاحتفالات.

في مدينة فاس مثلا، إلى حدود سنة 1912، كانت هناك احتفالات عنيفة جدا داخل أضرحة بعض الزوايا، وصلت حد القيام بمسيرات لأناس شبه عراة لإعلان تواضعهم وخضوعهم لشيخ الطريقة. وتلك المسيرات أثارت فضول الأجانب الذين كانوا يقيمون في المغرب.
أكثر من هذا أن طرق اللباس الغريبة والأذواق في اختيار الألوان على طريقة المربعات، كانت سائدة جدا في الجوق الملكي، وهو ما أكده المؤرخ البريطاني الدكتور روجر الذي حصل على الدكتوراه في تاريخ العلاقات بين المغرب وبريطانيا منذ عهد السعديين إلى حدود سنة 1900، وهي فترة طويلة جدا عرفت أحداثا كثيرة مليئة بالعبر. أحدها أن صفقة اختيار ملابس الجوق الملكي في فاس، كانت بسبب تعجب السفراء الأجانب من اللباس الغريب لأعضاء الجوق من العازفين وحاملي الآلات الموسيقية. إذ كانوا يرتدون أثوابا زرقاء عليها مربعات تعج بالألوان بطريقة غير متناسقة.
لكل هذه الأسباب قد تكون الطريقة الكركرية التي تثير سخرية الناس هذه الأيام وعجبهم، أكبر من مجرد فوضى في الألوان وغرابة في الاحتفال، بل يجسدون طقوسا قديمة انقرضت قبل زمن، وها هي تعود على واجهة حلوى بـ«لاكريم».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى