عيد ميلاد النبي.. هل هو بدعة؟ أم سنة حسنة؟
أعجب ما في عيد ميلاد النبي أن هناك من يراه بدعة تقود إلى جهنم؟ ليسمع إذن المغاربة هذا النذير، وهم يستعدون بفرح للذكرى العطرة لنبي الرحمة (ص)..
يقال إن الاحتفال بعيد مولد نبي الرحمة (ص)، جاء من خلال احتكاك مسلمي الشرق الأوسط مع تدفق فقراء أوربا الصليبيين، بقيادة ملوكهم الأميين من طراز (ريتشارد قلب الأسد) فقالوا ونحن سنحتفل بأكثر. وأصبح تقليدا عارما في بلاد الشام، ولكن الصدمة التي تلقيتها حين دخلت السعودية، لأسمع التشنيع على هذا العيد؟
ليس هذا فقط، بل رأيت العجب العجاب من اقتحام بيوت الفنيين الفلبيين والممرضات الهنديات من كيرلا، الذين جاؤوا إلى هذا البلد الأمين يطلبون الرزق وهم مسيحيون يحتفلون كما جرت عادتهم بأعياد الميلاد.
أصبح القوم في رعب حقيقة من هؤلاء المتطرفين الذين يحملون روح الجريمة مع عدم التسامح. فهمت لماذا أعلنت السعودية الحرب على الإرهاب مع 34 دولة أخرى في تحالف عالمي في ديسمبر 2015م؛ لأن روح التشدد فرخت وباضت ووصلت إلى الحافة السمية. بالمناسبة لم أر المنقبات في المغرب، حين قدومي قبل عشرين عاما، أما اليوم فقد بدأ يسري في العالم أبعد من المغرب من وراء الفكر الوهابي السلفي المتطرف، الذي يحمل تحت جناحه السلفية الجهادية وخطر قتل الآخرين الكافرين (كذا).
مع كتابة هذه المقالة وأنا في مدينة الجديدة، فرحت حين أبصرت أهل المغرب وهم يستعدون بفرح للاحتفال بعيد مولد نبي الرحمة (ص). المغاربة يحتفلون بشكل خاص بمراسم وحلويات واستعداد مهيب.
من الجميل أن هذا العيد يأتي مع أعياد الميلاد ليسوع عيسى بن مريم، الذي كلم الناس في المهد وكهلا. (ربيع أول 1437 هـ وديسمبر 2015م).
في مدينة القامشلي أذكر جيدا كلا الاحتفالين. كان المسجد الجامع يغص بالناس، ثم يأتي من يحمل صينية كبيرة، عليها رزم من الحلويات من (ملبس) وسواه وكانت أعيننا تبرق أن لا يفوتنا القطار. بكل أسف أحيانا كانوا يتجاهلوننا ويمرون علينا بدون نفحنا بهذه الرزمة المغرية؛ فنحن أطفال لا قيمة لنا في نظرهم، والكبار هم من يستحق هذه الهدية، التي لا يأبهون لنا بقدر عشقنا لها؟
ثم مشت رحلتي إلى ألمانيا، حيث بردت الأعياد عندنا هناك من فطر وأضحى، بل وغدا رمضان بغير طعمه، سوى مكابدة الجوع ونحن مرهقين في قاعات العمليات.
أذكر يوما كيف شربت الماء ونحن نجري الجراحة عندما حان موعد الإفطار.
ثم جاءت المفاجأة من السعودية حين سمعت الخطباء وهم يشنون حملة على أن هذا العيد بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
لم تكن البدعة في نظر هؤلاء المتشددين تقف عند الاحتفال بالمولد، بل تغطي طيفا هائلا لا نهاية لطيفه من المحرمات، من موسيقى وجمال الثياب، وقيادة المرأة للسيارة، وصوت المؤذن الجميل؛ فكلها بدع تقود إلى النار؛ بل وإن لونا من العذاب مخيف تتورع عنه أجهزة المخابرات السورية في فرع فلسطين بارتكابه لمن يسمع الغناء، بصب الرصاص المذاب بدرجة حرارة 800 في أذن من يستمع إلى قينة تنشد وتعزف (يقولون جاء في الحديث أن الله يصب الآنك في أذن من يسمع قينة تغني؟)
قلت في نفسي ملابسنا بدعة بيوتنا، وبناؤها أكثر من بدعة، سياراتنا الفارهة التي نركب، والموبايلات التي نستخدم أليست بدعة؟ بالله عليكم نريد أن نفهم مفهوم (البدعة)؟
إنها من شظايا تحطم العقل المسلم أمام متغيرات المعاصرة. كما جاء في كتاب ابن أحمد أمين «المسلم الحزين في القرن العشرين»؟
هنا يجب أن نفهم أن البدعة غير السنة؛ فقد جاء في الحديث أنه من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.
هنا بدأت أميز بين شيء اسمه سنة حسنة، وبدعة ضالة تقود إلى النار.
فعلا عبادة الأصنام البشرية والهتاف باسمها، كما في زعيق الجمهور المجنون
لطاغية دمشق وديكتاتوري المنطقة وهم يهتفون بالدم بالروح نفديك. فعلا إنها بدعة. والمجرم بعد قتله نصف مليون إنسان استطاع الروس والفرس معهم تمرير قرار في مجلس الأمن، بتاريخ 18 ديسمبر 2015م بالإجماع، بدون إدانة لنيرون سوريا.
يحضرني من الألماني المبدع (بيتر شول لاتور) الذي مات قبل فترة قصيرة، عن عمر يناهز التسعين، مخلفا وراءه أكثر من تسعين مؤلفا، الكثير منها في صراعات الشرق الأوسط.
يقول الرجل رحمة الله عليه، إنه كان في حماة حين دمرت في ثمانينات القرن المنصرم، حين سوى حافظ الأسد نصف المدينة بالتراب.
قال لقد لفت نظري في المدينة صورة هائلة فوق الأنقاض لبطل تشرين والحركة التصحيحية حافظ الأسد (كذا؟).
قال الرجل في شهادة أمينة: عرفت لماذا حرم الإسلام الصور.
نفس الشيء فعلته مجلة «دير شبيغل» الألمانية وهي تعرض صورة هائلة لبنايات تحولت ركاما، وفوقها علقت صورة هائلة لابن حافظ الأسد، الذي لم يخيب ظن والده فيه؛ فإذا كان والده قد دمر مدينة فهو قد محق وسحق قطرا. فوق الصورة عبارة عجيبة بكلمة واحدة منعمرها؟؟ وهي تذكر بما عمر بوتين بعد تدمير غروزني. أو كما فعل الجنرال غرازياني في ليبيا وهو يدمر الكفرة مطاردا عمر المختار. والآن الاثنان عند رب العزة والجلال يختصمان.
هذه هي البدعة الفعلية التي تستحق اللعن وسقر، وليس الاحتفال بعيد مولد رسول الرحمة (ص)، الذي جاءه يوما إعرابي وهو يقبل طفلا فقال له: أو تقبل الأطفال؟ أجاب وماذا أفعل لك وقد نزع الله الرحمة من قلبك؛ فهذه هي البدعة، وهذه هي كارثة الفكر الدوغمائي المتطرف، الذي يمشي فوق النصوص مثل حشرة العث فلا يفقه منها حرفا.