شوف تشوف

الرأي

عودة ترامب إلى حقول النفط السورية

عبد الباري عطوان
تراجع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن قراره بسحب قواته من شمال شرق سوريا، وكشف وزير دفاعه مارك إسبر عن تعزيز وجودها في مناطق احتياطات النفط في الحسكة وشرق دير الزور بإرسال دبابات وعربات مدرعة لحمايتها من السقوط في أيدي قوات «الدولة الإسلامية» (داعش).
تراجع ترامب هذا الذي يعكس ارتباكا في مواقفه في الملف السوري جاء بعد ضغوط كبيرة تعرض لها من قبل الكونغرس وبعض الجنرالات في الجيش الأمريكي، خاصة بعد الانتقادات والاتهامات التي جرى توجيهها إليه بالتخلي عن الحلفاء الأكراد، سيما من قبل السيناتور ليندسي غراهام، أحد أبرز المقربين منه في الحزب الجمهوري.
قوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر على حقول النفط السورية شرق الفرات يبدو أنها بصدد تراجع آخر غير مفاجئ مثل «معلمها» ترامب، والعودة إلى الحضن الأمريكي، بعد أن عقدت اتفاقات مع الدولة السورية بوساطة روسية، سعيا للحِماية بعد بدء الهجوم التركي على شمال سوريا، لإقامة منطقة آمنة بعمق 32 مترا لإبعادها عن الحدود التركية.
هذا التراجع جاء بعد مكالمة هاتفية بين الرئيس ترامب ومظلوم عبدي، القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، الخميس، أكد خلالها الرئيس الأمريكي أن قوات بلاده ستبقى في شمال شرق سوريا لفترة طويلة.
السيد مظلوم عبدي رحب بهذا القرار الأمريكي وأبدى استعداده للعودة إلى المظلة الأمريكية، وإنهاء ترتيبات عودته وقواته إلى الدولة السورية الأم، مما سيؤدي حتما إلى غضب ثلاثي سوري روسي تركي، وربما توحد هذه الأطراف الثلاثة في جبهة واحدة ضد قوات سوريا الديمقراطية وقادة الإدارة الذاتية الكردية، حسب ما كشفته بعض التقارير الإخبارية القادمة من المنطقة.
ترامب لا يريد أن يمنع احتياطات النفط والغاز السورية من الوقوع في يد «داعش» وإنما في يد القوات السورية، وحرمان الدولة السورية من هذه الثروة (350 ألف برميل من النفط يوميا)، واستخدامها في سد احتياجاتها من الطاقة أولا، وتوظيف ما يتبقى من عوائدها في مشاريع إعادة الإعمار.
لا نعتقد أن إقامة القوات الأمريكية في شرق الفرات، وسيطرتها وحلفائها الأكراد على احتياطات النفط السورية ستطول ولا نستبعد تعرضها لعمليات هجومية، سواء من التحالف الروسي السوري أو حتى من قوات الحشد الشعبي العراقي التي تتركز في الجبهة المقابلة من الحدود.
الرئيس ترامب لا يفكر إلا بالمال والثروة، وتخليه عن حماية الأكراد جاء لسبب بسيط وهو أن هؤلاء لا يملكون المال لتسديد ثمن هذه الحماية، أسوة بزعماء دول الخليج، ومن غير المستبعد أن يستولي، وعبر شركات أمريكية على هذه الحقول وعوائد إنتاجها النفطي لتغطية تكاليف القوات الأمريكية الموجودة على الأراضي السورية.
عودة الأكراد إلى المعسكر الأمريكي مجددا، وطعنهم للجانبين الروسي والسوري في الظهر، رغم الخذلان الأمريكي المتكرر سيؤكد مجددا أنه لا يمكن الاعتماد عليهم، والثقة بتعهداتهم، تماما مثل معلمهم الأكبر ترامب.
الأشقاء الأكراد لا يتعلمون للأسف من تجاربهم السابقة، ويظلون يلهثون خلف الأمريكان والإسرائيليين، ويتحالفون معهم ضد كل ما هو عربي أو تركي، والآن روسي في المنطقة.
الجيش العربي السوري الذي استعاد معظم الأراضي السورية بدعم روسي، سيستعيد منطقة شمال شرق سوريا، وآبارها النفطية إن عاجِلا أو آجلا، وسينسحب الأمريكان مهزومين منها، وسيكون الأكراد هم الخاسر الأكبر كالعادة، ولا نستبعد أن تؤدي خطوتهم هذه بإعادة التحالف السوري التركي ضدهم، والتعجيل بإحياء اتفاقية «أضنة» أرضية هذه التحالف والتنسيق..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى