كلنا نعلم أن «المورسكيين» نزحوا من إسبانيا نحو المغرب. لكن هناك حقيقة تاريخية مفادها أنهم نزحوا أيضا إلى أمريكا.
إذ أن أحداث سنة 1492 كانت مواتية لهؤلاء المورسكيين لكي يختار بعضهم مرافقة الرحلات الأولى التي تلت اكتشاف أمريكا، لكي يعمروا المنطقة.
وطبعا، لم يكن ممكنا أن يسافروا بهوية مكشوفة ويعلنوا أنهم نازحون من الأندلس، بل اضطروا إلى التخفي في جماعات نشر المسيحية في القارة الأمريكية لكي يهربوا من محاكم التفتيش.
وسرعان ما عوض هؤلاء النازحون المغاربة المسلمون نقص اليد العاملة، ووصلوا إلى المستعمرات الإسبانية هناك. أي إلى المكسيك وبوليفيا وغواتيمالا وكوبا. وهناك اليوم معالم عمرانية تاريخية في هذه الدول تشهد على براعة الصانع المغربي وتفرد المعمار الإسلامي.
دار الزمن دورته، وها هم أحفاد الموريسكيين يعودون إلى إسبانيا، البلد الذي أرغموا على مغادرته وعاش أقرباؤهم فيه مرارة وفظاعات محاكم التفتيش التي نكلت بالهاربين والباقين.
يقولون إن الماء لا ينسى مجراه، والواضح أن الإنسان أيضا لا ينسى مسار هجرته الأولى.
فبدل أن يتوجه هؤلاء المغاربة إلى سلا أو فاس أو تطوان وشفشاون، أو حتى الجزائر ويهربوا من بطش الحملات التي كُرست لإبادة ما تبقى من المسلمين في الأندلس، اختاروا ركوب السفن المتوجهة إلى أمريكا، وتظاهروا بأنهم من أفراد جماعات نشر المسيحية بين سكان العالم الجديد.
جالية مهمة من أبناء أمريكا اللاتينية يهاجرون صوب إسبانيا، بدعوى أنها البلد الذي استعمرهم لقرون، وأن وقت استعادة الثروات التي «سرقتها» أوروبا منهم قد حان.
بعض هؤلاء المهاجرين يجهلون أصولهم القديمة، ويرجح جدا أن يكونوا من أبناء عمومة المغاربة. ولهذا السبب ربما سرعان ما تآخى أفراد الجالية المغربية في أمريكا مع أبناء البلد بعد اكتشاف أن هناك طباع كثيرة مشتركة بينهم. وفي أوروبا أيضا قلما يختلف المغاربة، حتى الذين لا يتوفرون منهم على أوراق إقامة، مع «أشقائهم» القادمين من البيرو وكولومبيا.
عندما كانت كوبا تدعم الانفصال في الصحراء، عرض القائمون على الأمور هناك في سبعينيات القرن الماضي على الانفصاليين المغاربة إرسال أبناء الصحراويين لكي يستفيدوا من الدراسة مجانا في أقسام داخلية في منطقة اسمها «جزيرة الشباب».
هؤلاء المغاربة عندما كانت تلفحهم شمس كوبا ويستلقون تحت أشعتها بكسل مقلدين السكان الأصليين، يصبح التمييز بينهم وبين الكوبيين صعبا للغاية. بل إن أولئك الأطفال الذين اختُطفوا من أسرهم الأصلية وأرسلوا إلى كوبا خلال منتصف سبعينيات القرن الماضي أزالوا من دماغهم فكرة العودة للبحث عن أصولهم، خصوصا منهم الذين فقدوا أي اتصال بأسرهم الأصلية بعد ترحيلهم في سن مبكرة جدا إلى هناك.
يقولون إن مغربيا كان مع البعثة الأولى التي اكتشفت القارة الأمريكية. وأن «كولومبوس» الذي يوجد اسمه في كل كتب التاريخ في العالم، مدين فعلا لمغربي هو «بن حدو» رافقه خلال الرحلة الاستكشافية الأولى، وقرر الانفصال عن البعثة وتوغل في القارة الأمريكية، قادما إليها من أزمور لكي ينشر الإسلام.
التأمل في المسافة الهائلة التي تفصل المغرب عن القارة الأمريكية، يجعلها تبدو ضئيلة جدا أمام كل هذه المعطيات التاريخية التي تُثبت بما لا يدع مجالا للشك، أن مغاربة سلا، وكل مكان وصل إليه الموريسكيون بعد نزوحهم، لديهم أبناء عمومة هناك في كوبا، أو في «بوليفيا» يرددون الأغاني اللاتينية وينامون كثيرا بعد الظهيرة.
يونس جنوحي