عودة المهرج
يدخل عبد الإله بنكيران في كل شيء إلا «سوق رأسه»، فهو يعطي نفسه حق التدخل في الأحزاب، ويذهب حد رسم معالم الطريق لحزب الاتحاد الاشتراكي، ووصل به الأمر إلى التدخل في الشأن التونسي، حيث أعلن تضامنه مع الغنوشي، الذي سبق له أن نادى بمغرب عربي كبير بدون المغرب.
وها هو قد رجع إلى عادته القديمة في إطلاق النار بمناسبة وبدونها على كل شيء يتحرك أمامه، ويرمي خصوم وأعضاء حزبه على السواء بكل الألفاظ المسيئة، فنعت بعض برلمانيي حزبه الذين فضلوا الفرار بجلدهم بـ«الشياطة ديال الحزب»، وهاجم الوزير السابق أمكراز، معتبرا أن تعيينه من طرف الملك كان خطأ، وخصص حيزا لمهاجمة برلماني من حزبه اشترى سيارة «كاط كاط». وكشف أنه اقترح على الملك تعيين العثماني رئيسا للحكومة بدل الرميد، لأنه رجل عصبي، وأنه فضل التنحي حتى لا يقود إلياس العماري الحكومة، ثم سرح كتابه الجهويين للحديث عن واقعة سخيفة جرت، قبل عقد، بين البرلماني المجذوب أفتاتي ووزير المالية آنذاك صلاح الدين مزوار، بل ذهب به الخيال إلى دعوة الدولة إلى قتل أعضاء حزبه، إذا هي أرادت التخلص منه، وغير ذلك من «خرايف زمان» يعتقد أنها تمنحه الوضع الاعتباري «الوهمي» الذي يحتاجه لتسويق نفسه، بعد خسارة كل رأسماله السياسي والرمزي، فالسياسة لا ترحم والفرصة تأتي مرة في عمر السياسي، ويبدو أن بنكيران ضيعها ببشاعة.
الأكيد أن الخرجات الأخيرة لبنكيران التي يريد أن يبعث فيها رسائل للدولة على وجه التحديد، دليل واضح يؤشر لحالة الضياع والتيه النفسي التي يعيشها رئيس الحكومة الأسبق، وافتقاده بوصلة قيادة حزب لم يخرج بعد من تداعيات الصدمة الانتخابية، بمحاولة إغراق مريديه في أحجيات الماضي، والتغطية على حقيقة يعرفها القاصي والداني، أنه المسؤول الأول عما آل إليه حزبه من هوان وشتات، فبنكيران مثل ذلك الصبي الشقي الذي ظل يبكي بحرقة للحصول على لعبته، ولما نجح في بلوغ مسعاه وحقق رغبته النفسية في التملك، صمت ولم يستطع أن يفكر ماذا سيفعل بعد ذلك.
الجميع كان ينتظر من بنكيران أن يقدم استراتيجيته للمعارضة التي سيسلكها، رغم أنه سيكون من العبث أن يعارض إرث ماضيه الزاخر بالكوارث، لكن رئيس الحكومة الأسبق فضل أن ينتج مفهوما جديدا في القاموس السياسي، وهو «معارضة المعارضة» بتمويل من معاش استثنائي. ويبدو أن الرجل المهووس بخلق العداوات السياسية لكي يبقى حيا، لم يخرج من الزمن الانتخابي الذي انتهى في الثامن من شتنبر، بعدما قال الشعب كلمته في حزبه، مسقطا إياه من المرتبة الأولى إلى الثامنة.
بدون شك سيواصل بنكيران حركاته البهلوانية مستقبلا، وسيحاول التغطية على غياب أي رؤية لقيادة الحزب، بمعركة بهلوانية مع الدولة، لإبعاد النظر عن مشكلين عويصين يواجههما الحزب، أولهما إعادة 800 مليون سنتيم من أموال دافعي الضرائب إلى خزينة الدولة، وثانيا محاولة التغطية على حالة اللاقانون التي تعيشها مؤسساته، منذ نهاية السنة، لأنه لا ينوي تنظيم المؤتمر الوطني في وقته المحدد، كما ينص على ذلك القانون التنظيمي للأحزاب السياسية.