شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةسياسية

عودة الروح

بعدما بدأ اليأس يدب في نفوس المغاربة بسبب الحصانة غير المبررة وغير المفهومة للمنتخبين ضد المساءلة والمحاسبة على سوء تدبيرهم للمال العام، تحركت، أخيرا، الآلة القضائية لتعيد الروح للسياسة بمنطقها النبيل الذي يجعلها وسيلة لتحقيق النفع العام، وليس حصان طروادة للإثراء غير المشروع.

مقالات ذات صلة

نعم، إنها رسالة من القضاء أن القانون يستطيع في زمن الاستقواء بالانتماء السياسي والنفوذ المالي أن يصل إلى الجميع، سواء كان في الأغلبية أو المعارضة، سواء كان منتخبا أو معينا بقرار أو مرسوم أو ظهير.

وأهم ما في الأمر أن المواطن سيسترجع أولا بهذه الاعتقالات الكثير من منسوب الثقة في الآلة القضائية وتقارير مؤسسات الرقابة المالية، بعد مرحلة طويلة من الشكوك واللايقين. وثانيا أن هذا التحرك القضائي سيكون له لا محالة أثر ردعي في وجه المكلفين الآخرين بتدبير المال العام، الذين سيأخذون العبرة من مصير كل متلاعب بأموال الشعب.

ومن حسن حظنا أن اعتقال عمدة فاس وزوجته وبعض من ذويه، قوبل بموقف مشرف من الحزب الذي ينتمي إليه ويقود الحكومة والأغلبية البرلمانية، الذي بادر إلى تجميد عضوية منسقه الإقليمي إلى حين صدور أحكام قضائية في الموضوع وترتيب آثارها القانونية في احترام تام لقرينة البراءة، وهذه إشارة تحسب لرئيس الحكومة وحزبه اللذين أظهرا حرصهما على احترام السلطة القضائية وعدم التأثير عليها بأي شكل من الأشكال، فليس من اليسير على حزب يوجد أمينه العام في منصب رئيس الحكومة، أن يختار أولوية الدفاع عن استقلال السلطة القضائية بدل مصالح حزبية ضيقة.

وهذا السلوك المشرف يقطع مع عهد سياسي سابق كان يعمل بمنطق انصر أخاك ظالما أو مظلوما حتى كاد أن يتحول فيه شعار «لن نسلمكم أخانا» إلى ممارسة ممنهجة للإفلات من العقاب، فالجميع يتذكر خلال الولاية السابقة كيف كان ينزل وزراء وبرلمانيون وعمداء مدن ورئيس حكومة بنفسه ونواب رئيس مجلس النواب المنتمون لحزب العدالة والتنمية الحاكم بكل ثقلهم للضغط على المؤسسة القضائية وتعطيل أحكامها مشهرين سلاح الشرعية الانتخابية ومهددين بالمس بالاستقرار الاجتماعي.

اليوم على المؤسسة القضائية أن تقول كلمتها مهما كان الانتماء السياسي أو الطبقي أو المالي للمعني بتهمة التلاعب بالمال العام، وعليها أن تدرك أن كل قراراتها الجريئة ستكون مثار احتضان مجتمعي، ببساطة لأن المغاربة سئموا جدا من الفساد من اللاعقاب من استمرار وجوه مثقلة بملفات فاسدة تهتز لها السماوات والأرض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى