شوف تشوف

ملف التاريخ

عندما كان المغاربة يشترون الفرنسيين

اسمه «مويط» ووقع أسيرا في المغرب وصادق العبيد المغاربة قبل 300 سنة

«كان عدد الأسرى أربعين رجلا وأربع نسوة. باعوهم في سوق النخاسة المعروف حتى اليوم في الرباط بباب القنانط. وكان حظ «مويط» أن اشتراه أربعة أشخاص، ثلاثة مسلمين ويهودي. فعمل نحو سنتين خادما في بيت أحد ساداته المسلمين بسلا، ثم في إسطبل سيده حاكم القصبة. ولما بويع مولاي إسماعيل عزل هذا الحاكم واستصفى أمواله، وبذلك انتقل «مويط» إلى ملك السلطان والتحق بالمولى إسماعيل في فاس ثم سار في ركابه إلى مكناس وظل يعمل عنده في أشغال البناء وغيرها زهاء تسعة أعوام أخرى. وقد تعلم «مويط» خلال مدة إقامته في المغرب اللغة العربية، والإسبانية السائدة فيه أيضا بسبب الأندلسيين المهاجرين، إلى أن من عليه المولى إسماعيل بالسراح بعد أن افتداه جماعة الرهبان الفرنسيين، فرجع إلى باريس يوم 19 يوليوز 1681، أي بعد أن تغيب عنها في الأسر أحد عشر عاما إلا 12 يوما». الكلام هنا لمحمد حجي، وهو دكتور متخصص في التاريخ، تولى في ثمانينات القرن الماضي مهمة تدقيق مذكرات أسير فرنسي اسمه «مويط» وقراءة ما بين سطورها من مفاجآت.

تاريخ أقدم الصفقات الرسمية التي أنهت أزمات «أسرى الحرب» مع المغرب
بمجرد ما تفتح البوابة الخلفية للسفن التي كان يُبحر بها القراصنة القدامى من شاطئ مدينة سلا في اتجاه عرض البحر لقطع الطريق أو «الأمواج» أمام السفن القادمة من أوربا ومصادرة ممتلكات أصحابها وأسرهم ليصبحوا عبيدا في المغرب، حتى ينزل هؤلاء مكبلين بالحبال إلى بعضهم البعض، ليتم بيعهم لمن يدفع أكبر سعر مقابلهم.
نشرت جريدة «التايمز» البريطانية سنة 1909، ما يلي: «قيل لي أيضا إن السلاطين كان لهم عبيد من النصارى الأوروبيين. حصلوا عليهم كأسرى في حروب سابقة. لقد تم استعمالهم، لسوء حظهم، في بناء قصور في مكناس ومراكش وفاس. كان المشرفون على بناء القصور يعمدون إلى أخذ كل عبد أظهر تقاعسا أو عياء في مواصلة أشغال البناء ورميه في التراب والكلس، وتغطيته بهما ودكه إلى أن يختفي وسط الجدار الذي كان في طور البناء. في سنة 1721، أرسل «ستيوارت» كسفير من إنجلترا ليقوم بشراء العبيد الأوروبيين ويعيدهم إلى أرضهم، لكنه وجد أغلبهم تحول إلى دين الإسلام حتى تنتهي معاناته الفظيعة في الأشغال الشاقة. لقد تم إنقاذهم وتعامل المغاربة معهم معاملة جيدة على عكس أولئك الذين فضلوا البقاء على ديانتهم النصرانية. أما النساء فقد تم إلحاقهن بـ»الحريم».
في 1817، ومع تعاظم قوة إنجلترا وسيطرتها على مضيق جبل طارق، خاف السلطان سليمان من ذلك الامتداد، وحد من عمليات القرصنة البحرية، ولم تعد سفنه تمارسها بالأشكال السابقة وإنما بسرية، ولم تنته إلا في 1856، عندما نجح «السير جون دريموند» في تحرير جميع العبيد والمسجونين. كان هذا في أيام مولاي الحسن، السلطان والد مولاي عبد الحفيظ وعبد العزيز».
ومن الحقائق التي جاءت أيضا موثقة عند الأجانب عن تاريخ العبودية في المغرب خصوصا عندما يتعلق الأمر بالأسرى الأوربيين الذين كان المغرب يعقد صفقات، مربحة أحيانا وخاسرة أحايين أخرى، لإعادتهم إلى بلادهم، خصوصا إسبانيا والبرتغال، مقابل إنهاء بعض الأزمات: « كان للعبيد دور فعال في تقوية الدولة، وكانوا يستعملون في الجيوش لقوتهم وصلابتهم. في عهد المولى اسماعيل، كان للمغرب جيش من السود يتجاوز عددهم 150 ألف رجل. ومع ضعف الدولة في فترة من الفترات، تفرق الجيش، ولكي يحافظ المخزن على الدولة فقد أخذ بزمام الحكم ووضع يده في كل شيء.
كل الذين يتعاملون مع المخزن يتصرفون وفق طقوس مقدسة ومعروفة سلفا، حتى أن السفراء كانوا يعانون منها أثناء زياراتهم إلى القصر، وكانوا يجبرون على التوسل إلى المخزن كي يروا السلطان. تجد أيضا رجال المخزن الذين يتعاملون مع الأجانب ويتظاهرون بأنهم يريدون العمل لصالح الأوربيين، إنه لخطأ فادح أن تضع ثقتك في مثل هؤلاء.
يتحد جميع رجال المخزن، باعتبارهم مغاربة ومسلمين، ويشتركون جميعا في إيمانهم بضرورة إذلال وكره المسيحيين. في الحقيقة فإن جميع المنتمين إلى جهاز المخزن، من وزراء، دائمين كانوا أو مؤقتين، نزولا إلى المكتبيين والحجاب وحتى العبيد، يحملون القناعة نفسها ومتأثرون بنفس الفكر. للمخزن طقوس موحدة، ونفس الطريقة الأدبية في صياغة الرسائل، وحتى نفس تصميم اللباس.
أقوى قسم في جهاز المخزن، والذين يتم اختيارهم من الجهات العليا، هم الدائرة المحيطة بالسلطان من خدم ومرافقين، حيث يرافقونه في جميع أسفاره. هؤلاء يظهرون بمظهر الكسالى لأنهم لا يفعلون شيئا، ولا يهتمون بأي شيء خارج دائرة السلطان».
وبما أن المقال يتطرق للمولى إسماعيل الذي كانت شهرته كبيرة في الآفاق، فإن قصة الأسير الفرنسي «مويط» الذي كتب مذكراته قبل 300 سنة من الآن، ولقيت رواجا كبيرا في فرنسا بسبب زيارة سفير مغربي أرسله المولى إسماعيل إلى هناك لإبرام اتفاق مع الفرنسيين، وهو ما جعلهم شغوفين بمعرفة معلومات عن المغرب، ليتحول الأسير السابق الذي أطلق المغرب سراحه قبل سنة من تاريخ مجيء السفير المغربي، ويصبح كاتبا لكي يقرأ له الفرنسيون ذكرياته المغربية، التي حكى فيها عن وجه مظلم نال من سمعة المغرب كثيرا وقتها، وتحدث بمرارة، قيل إنها لا تخلو من مبالغات، عن «ذكرياته المغربية».

ذكريات الأسر.. عندما كان المغاربة يشترون الفرنسيين!
كان هناك أسير فرنسي في المغرب قبل 300 سنة، سوف نأتي إلى تفاصيل وصوله إلى سلا لاحقا، عاش تجربة مريرة بحق، أسهب في سرد تفاصيلها التي لم تكن مملة، وتعرض لها باحثان مغربيان بالتمحيص، وقالا إنها لم تكن تخل من مبالغات. هذا الأسير الفرنسي السابق، والذي وقع مذكراته باسم «مويط» يقول إنه جاء إلى المغرب في إطار عملية سطو قام بها قراصنة من مدينة سلا على السفينة التي كان يركبها في اتجاه الشرق، ليجد نفسه في المغرب. تم بيعه في السوق، وهكذا كان: «جاء ثلاثة من سادتي الذين لم يكونوا يملكون مني سوى النصف، ليروني حالا. يسمى أكبرهم محمد المراكشي. وكان يستأجر غابات الملك، ويسمى الثاني محمد البيوس، تاجر في الصوف والزيت، وهو رجل طيب كما عرفته في ما بعد. أما الثالث فكان يهوديا واسمه ربي يمين، فاشتروا لي بعض الأسمال ثم ذهب بي المراكشي إلى منزله ليقدمني إلى زوجته. فأحضرت لي على الفور خبزا أبيض وسمنا وعسلا وقليلا من التمر والعنب. وهي تقول: «كل. كل». وبما أنني كنت جائعا لم آكل بعدُ، فسرعان ما أتيت على جميع ما قدمت لي. وأرادت أن تزيدني، عندما رأت أنني أكلت كل شيء، لكنني أشرت إليها برفع قبعتي، أنني اكتفيت..
(..) في اليوم الموالي وضعوني بين يدي محمد اليبوس، فأخذني هذا الأخير معه إلى منزله، حيث وجدت حماته وزوجته اللتين كانتا أندلسيتين، فأخذتا ترثيان لتعاستي. وأطعمتاني جيدا، ثم أعطتاني كيس قمح لطحنه في طاحونة يدوية كانت في مطبخهما. ذلك هو العمل العادي الأكثر بالنسبة للأسرى الموجودين في المراسي البحرية لعدم وجود طاحونات أخرى. إن هذه الحرفة القاسية تتطلب مجهودات كبيرة، وبما أنني لم يسبق لي أن عملت، فقد أخذ ذلك يزعجني منذ الحين الذي استخدمت فيه. وجعلت أنجز العمل وأصنع لهما دقيقا غليظا لا يمكن عجنه. فاضطرت سيدتي إلى أن تسلم لي طفلا صغيرا لها لأتجول به عبر المدينة. وقد ألفني بحيث لم يعد يريد الذهاب مع الآخرين ولا أن يضطجع إلا بجانبي. وسيدتي التي كانت شابة جميلة جدا تتكلم الإسبانية بطلاقة، عندما رأت ما يكنه لي ابنها من محبة، رخصت لي في أن أذهب به أينما شئت. وكانت تمتعني بخبز السميد الأبيض، وأزاحت عني سلسلة كانت تزن خمسة وعشرين رطلا كان زوجها قد أغلني بها، وكانت تناشدني أن أتحمل أسري بصبر، وحمتني من ضرب زوجها وسبابه، وطلبت مني مرارا أن أسلم لتبرهن لي أكثر عن محبتها، وتزوجني من إحدى بنات أخيها».
ليست هذه إلا البداية، فقد عاش «مويط» ذكريات أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها مثيرة، كما أنه سلط الضوء على جزء مهم من تاريخ العبودية في المغرب، وكيف أن الأسرى الأجانب لم يكونوا على كل حال أفضل حالا من العبيد المغاربة الأصليين الذين كانوا يباعون في الأسواق تماما كما تباع السلع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى