شوف تشوف

الرأي

عندما تختلط المواضيع

 

 

علي محمد فخرو

 

النقاش الحاد الذي جرى عبر الأرض العربية كلها حول فيلم «أصحاب… ولا أعز»، والتباين الواسع المتناقض التصادمي بين وجهات النظر، أظهر أن المجتمعات العربية هي بالفعل تعيش حالة الانتقال من ثقافة تاريخية مهيمنة، إلى ثقافة جديدة يراد لها من قبل البعض أن تهيمن. حسنا، لا توجد مشكلة في هذه الظاهرة، إذ إن كل الثقافات العامة السائدة في كل المجتمعات، خضعت وتخضع للتغيير والتطوير الدائم، لكن ذلك يحتاج أولا إلى تحديد موضوع النقاش.

النقاشات التي قرأناها وسمعناها تبين أن المنخرطين فيها يناقشون مواضيع شتى، وليس الموضوع نفسه، البعض كان همه الأخلاق العامة، والبعض الآخر كان همه الجوانب الدينية البحتة، فيما اقتصر اهتمام البعض على الجوانب الفنية، ولذلك كان القارئ والمستمع يشعران أحيانا بأنهما كانا أمام حوار الطرشان، خصوصا في التباينات الهائلة حول موضوع الحرية، الذي هو من أكثر المواضيع الفلسفية المختلف حولها عبر تاريخ البشرية.

النقطة التي يجب أن ننطلق منها هي أننا أمام عمل فني، فإذا أخذنا ما قاله الفيلسوف اليوناني أرسطو عن الفن: «إن هدفه ليس التعبير عن ظواهر الأمور، وإنما عن مدلولاتها الداخلية» الخفية، أو إذا أخذنا ما قاله الكاتب جيمس بلدوين: «هدف الفن هو طرح الأسئلة في صورتها العادية، التي كانت متخفية في شكل إجابات»، أو حتى إذا أخذنا ما قاله جورج براغ: «الفنون هدفها الإزعاج، بينما العلوم هدفها التطمين».. فإننا سنجد أن الفيلم المذكور قد حقق كل ذلك. لكن، وفي الحال، من حقنا أن نطرح سؤالا حول الصراحة الفنية التي عبرت عنها بعض مواقف الفيلم، من خلال التذكير بقول لوليم بليك: «الحقيقة التي تقال بنية سيئة تفوق كل الأكاذيب التي يمكن أن يخترعها الإنسان». وهنا تختلط الحقيقة بالظنون والنيات، وهنا يستطيع منتجو الفيلم التعلل بما قاله أوسكار وايلد: «ليس على الفنان أن يكون من المحبوبين جماهيريا، وإنما على الجمهور أن يكون أكثر فهما لمتطلبات الفن»، وهذا سيدخلنا في الحال في دوامة الشعارات الشهيرة، مثل هل «الفن للفن؟»، أم «الفن للأخلاق والأهداف السامية؟»، ذلك أن أكثر ما اعترض عليه الكثيرون هو الغموض في موقف الفيلم من بعض القيم الأخلاقية والدينية، بشأن العلاقات الجنسية. هنا من حقنا أن نعتب على منتجي الفيلم على أنه كان من الواجب أخذ ما عبر عنه مثلا أوسكار وايلد وغيره، بشأن موضوع ترابط الأخلاق بالفن. وهنا نذكرهم بما قيل عن قصة «مدام بوفاري» الشهيرة، وهو إن «كتاب مدام بوفاري كان من أكثر الكتب التصاقا بموضوع الجنس، وكانت بطلته مهووسة بالجنس، ومع ذلك لن تجد في الكتاب كلمة يمكن اعتبارها بذيئة أو منحطة».

أخيرا، دعنا نكون منصفين: لو أن الفيلم نفسه عرض في الخمسينيات أو الأربعينيات من القرن الماضي لما أثار ضجة. آنذاك لم يصل العالم فيه إلى المستوى المنحط البذيء الشاذ، الذي وصل إليه في أيامنا التي نعيش مواضيع الحب والعلاقات الحميمة ما بين الرجل والمرأة. فعالمنا يعيش أسوأ أيام الفحش الذي عاشته البشرية بالنسبة إلى التعبير الفني، بكل أشكاله، لعلاقات الحب الجسدي. هوليوود تقود ذلك، والآخرون مع الأسف يتبعون بقصد أو من دون قصد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى