يونس جنوحي
في الوقت الذي تحدث فيه وزير الصحة، أول أمس، عن تنزيل القانون الإطار المتعلق بالمنظومة الصحية، كانت أسر كثيرة في كل جهات المغرب تفكر في مباراة ولوج مهنة الطب.
تقليص مدة التكوين إلى ست سنوات، والحديث عن الخصاص المهول في الأطر الصحية، من بين العوامل التي تشجع آلاف الحاصلين على البكالوريا هذه السنة لكي يتجهوا نحو ميدان الطب.
في السنوات الأخيرة ظلت النقطة الموجبة لولوج مهنة الطب محط كثير من الملاحظات، واشتكى الخريجون حرمانهم من أهلية الترشح لاجتياز مباريات ولوج كليات الطب في المملكة.
المشكل أن أعدادا من الراغبين في ولوج مهنة الطب، خصوصا من أبناء المغرب العميق، لا يحظون أبدا بفرصتهم. إذ إن مباريات الولوج تتزامن مع مباريات أخرى، أو تأتي بعدها بمدة قصيرة لا تكون كافية لكي ينتقل هؤلاء المرشحون إلى حيث المراكز المحتضنة للامتحان.
والحقيقة أن هناك حقيقة غائبة لا يناقشها أحد، وتتعلق باستحالة التحاق المنحدرين من المناطق المنسية بالمواعد المحددة. وإذا أراد تلميذ متحدر من تنغير مثلا، اجتياز كل مباريات ولوج المعاهد العليا، حتى لو توفرت فيه كل شروط الترشح، فإنه فيزيائيا لا يمكنه الحضور من تنغير إلى الدار البيضاء، والعودة رأسا إلى ورزازات لاجتياز امتحان آخر لا تفصله عن الأول إلا ساعات قليلة.
صحيح أن بعض المباريات تُبرمج في وقت واحد عمدا متزامنة لتقليص عدد المرشحين، لكن مسألة حضور التلاميذ المتحدرين من المغرب غير النافع، إلى العاصمة الإدارية والاقتصادية لاجتياز مباريات الولوج في المعاهد الوطنية، ثم العودة إلى العواصم الجهوية والإقليمية لإجراء مباريات أخرى في أقل من 12 ساعة، تبقى أمرا غير مقبول ويجعل هؤلاء التلاميذ يُكونون لعنة مبكرة على الجغرافيا، التي رمتهم في تلك النقاط البعيدة عن المركز.
ما زالت هناك بيروقراطية معقدة في الإدارة، رغم أن كل المكاتب صارت تتوفر على حواسيب. إذ إن الوثائق التي يجب إحضارها لاجتياز المباريات، وحتى وثائق التسجيل في الكليات تحتاج وحدها إلى رحلة شاقة، والوقوف في طابور طويل عريض تحت أشعة شمس غشت، فقط للحصول على توقيع وحيد يفيد بمطابقة النسخ لأصولها.
بالعودة إلى موضوع كليات الطب، فإن الآلاف سنويا يتحمسون لولوج هذه المهنة النبيلة، رغم كل ما يحيط بظروف التكوين من إكراهات، ورغم الحكايات التي تتناسل عن تجارب الناس المؤسفة مع بعض المستشفيات، لكن الطب لا يزال مغريا.
والآن، بعد اعتراف الوزارة الوصية بالخصاص المهول في الأطر الصحية، وإعلان إصلاحات في المنظومة الصحية ككل، وأول هذه الإصلاحات توظيف المزيد من الأطر الصحية في مختلف التخصصات والدرجات، فإنه من المتوقع أن يُسجل إقبال كبير على مباريات ولوج كليات الطب خلال السنوات القليلة المقبلة، خصوصا وأن مدن أخرى تستعد لاستقبال مستشفيات جامعية ومراكز صحية، بالإضافة إلى توسيع المستشفيات الإقليمية.
لكن السؤال الذي يجب أن يُطرح على وزير الصحة، باعتباره المسؤول الأول عن القطاع، يتعلق بجودة هذا التكوين ومدى جاهزيته لإخراج أطر بالكفاءة الضرورية، سيما في ميدان التخدير والإنعاش، حيث لا مجال نهائيا للخطأ.
مسألة أخرى تتعلق بسد الخصاص المهول في المستشفيات العمومية، خصوصا في المناطق النائية، وهي إعادة النظر في الشروط المنظمة لمزاولة مهنة الطب في العيادات الخاصة. أما موضوع إدماج الأطباء خريجي جامعات ومعاهد أوروبا الشرقية، فهو عملية جراحية معقدة تحتاج إلى الكثير من التحاليل والصور الإشعاعية، قبل تحديد مكان وضع المبضع.