عمر بنجلون.. الدم الذي ضاع بين الفصائل
قضية عمر بنجلون، لا تزال ساخنة حتى بعد مرور 40 عاما اليوم، على جريان دمه فوق الأرضية التي كان واقفا عليها ليناقش مصطفى خزار، قاتله، في مجموعة من الأفكار التي يكتبها في جريدة الحزب. تطور النقاش وانتهى بقتل يقول مرتكبه إنه لم يكن مقصودا.
تحول الملف إلى قضية كبيرة جدا، رغم اعتقال القاتل ورفيقه، واعترافهما.. اختفى عبد العزيز النعماني بشكل مفاجئ، وبقي مصطفى خزار ليمضي سنوات في السجن ويخرج بعفو ملكي قبل مدة. من كانت له مصلحة في اختفاء أو إخفاء بد العزيز النعماني، ولماذا وجهت التهمة إلى الشبيبة الإسلامية رغم أن القاتل أكد ألا علاقة له بها، ولم يغير أقواله بهذا الخصوص طيلة 40 سنة؟
عبد الكريم مطيع يعود بالذاكرة إلى سنة 1975، ويقول من مقر سكناه بالعاصمة البريطانية لندن، آخر الكلام، ليغلق الحديث، كما يقول، في هذا الملف نهائيا.
عندما أثار مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، مسألة سقوط التهمة بالتقادم، كمخرج قضائي لطي الملف نهائيا وعودة عبد الكريم مطيع، وأصدقائه إلى المغرب، ثار الاتحاديون في وجهه أسفل قبة البرلمان، واعتبروا الجريمة أكبر من أن تطوى بالتقادم لأنها تقطر دما.
لكن هؤلاء لم يحركوا ساكنا عندما كان الحزب يقود حكومة التناوب، ولم يُفتح تحقيق في الملف للوقوف على ألغاز اعترف عبد الرحيم بوعبيد بوجودها، واعترف المحامي أحمد بنجلون، شقيق عمر بنجلون، بأن في الملف ألغازا يفهم منها أن الأمر كان أكبر من جريمة قتل بخلفيات فكرية، بقدر ما كانت اغتناما للحادث للتخلص من معارض شرس، كان يشبه المهدي بن بركة في أمور كثيرة.
هذه أقوى محطات قضية اغتيال عمر بنجلون
قضية مقتله أريد لها أن تبقى بالشكل الذي بقيت عليه. عائلة عمر بنجلون، الذي كانت مقالاته الصحفية مزعجة وذات أثر كبير يتابعها الجميع، وليس فقط المنتمون إلى حزب الاتحاد الاشتراكي خلال سنوات السبعينات، ما زالت تتابع الملف بعد أربعين سنة على الحادث. بينما أصدقاء عمر، خصوصا منهم الذين كانوا مشاركين في حكومة التناوب، لم يفتحوا تحقيقا جادا في الموضوع حتى عندما تولوا الحكومة، وهو ما جعل أحمد بنجلون، شقيق عمر بنجلون، الذي كان بدوره معتقلا سياسيا ووصله خبر مقتل أخيه عندما كان في السجن، يتخذ موقفا سلبيا من الجميع.
في الحكومة الحالية أثير ملف عمر بنجلون كواحد من الملفات القضائية القديمة في رفوف المحكمة المغربية، وكان النقاش يتجه في اتجاه «التقادم»، خصوصا بعد أن خرج الشخص الذي اعترف بقتل بنجلون، واسمه مصطفى خزار، بعفو ملكي قبل سنوات، وبرأ الشبيبة الإسلامية من مقتل بنجلون وقال بالحرف إنه يعتذر لجميع التيارات الإسلامية بالمغرب، التي اعتبر أنها تضررت كثيرا بفعل قتله لعمر بنجلون، لكنه رفض أن يعتذر لعائلة بنجلون وللاتحاد الاشتراكي، وبرر الأمر بأنه لا يستطيع الاعتذار عن أمر لم يكن في نيته أن يقوم به. إذ إن مصطفى خزار يقول إنه كان ينوي الحديث مع عمر بنجلون بخصوص ما كان يُنشر في «المحرر»، وبخصوص أفكاره، لكن النقاش بينهما احتدم ليتطور إلى جريمة قتل. الأكثر من هذا أن مصطفى خزار اعتبر نفسه معتقلا سياسيا، وهو الأمر الذي يرفضه أغلب الذين تابعوا الملف، بحكم أن النتيجة كانت مقتل عمر بنجلون في النهاية ولا يمكن إرجاعه.
عبد الكريم مطيع في هذا الحوار الذي أجريناه معه من مقر إقامته الحالية بنلدن، بمناسبة مرور 40 سنة على ذكرى اغتيال عمر بنجلون، ومغادرة مطيع للمغرب، قال إن الجريمة أريد لها في وقت من الأوقات أن يتم استغلالها سياسيا، وهو ما جعل القاتل الحقيقي يُودع في السجن، ويتم استغلال الجريمة لتوجيه ضربات إلى الخصوم السياسيين قبل الأصدقاء.
هل يمكن أن يكون مقتل عمر بنجلون صفقة؟ الأكيد أن هناك من استفاد من رحيله عن الحياة، خصوصا وأن سنة 1975 شكلت مرحلة فارقة من حياة حزب الاتحاد الاشتراكي.
بعض الاتحاديين ذكرهم مقتل عمر بنجلون باختفاء المهدي بن بركة، وآمنوا في قرارة أنفسهم أن المسألة أكبر بكثير من جريمة دبرتها الشبيبة الإسلامية، ما دام الملف محاطا بكثير من السرية حتى بعد توجيه التهمة مباشرة إلى عبد الكريم مطيع. الأيام كانت كفيلة بكشف ما لم يُكشف سنة 1975، ففور خروج مصطفى خزار بعفو ملكي، أوضح أنه متمسك بجميع أقواله السابقة، لنجد أنفسنا أمام اعترافات لا تتغير، يقول فيها خزار إنه أقدم على قتل عمر بنجلون بدون أن يكون قد خطط للأمر سابقا، وإن النقاش بينهما اتخذ منحى لم يعد فيه مكان للأفكار. لا أحد التمس عذرا لمصطفى خزار، لأن ما قام به لم يكن مقدمة لحوار في الأفكار بين اليسار واليمين، بقدر ما كان رجّا عنيفا لبحر التيارات.. والنتيجة كانت رجعا من الأمواج، ما زالت تتلاطم حتى بعد مرور أربعين عاما.
من يكون خزار والنعماني اللذان أثير اسماهما عقب الجريمة
وُجهت إليهما التهمة في البداية واعتبرا منتميين إلى الشبيبة الإسلامية. وقيل أيضا إن أحدهما، أو كلاهما التقى بعبد الكريم مطيع لتدبر أمر الجريمة. لكن آخرين، وهم الأغلبية، قالوا إن عبد العزيز النعماني كان على علاقة وطيدة بمختلف التيارات في الرباط والدار البيضاء، وهو الأمر الذي أكده عبد الكريم مطيع في هذا الحوار الذي أجريناه معه بمناسبة مرور 40 سنة على مقتل عبد الكريم مطيع، وهو ما جعل النعماني يكون محط كثير من الشبهات، لأنه لعب في فترة من الفترات على الحبلين.
المثير أن عبد الرحيم بوعبيد، صديق عمر بنجلون ورفيقه أيضا، قال في تصريحات سابقة، وفي مذكراته، وجلساته مع الصحافيين وأصدقائه الاتحاديين، إن ملف عمر بنجلون كان ملفا ملغما ولم يكن بالبساطة التي أرادت له بعض الأطراف أن يُطوى بها.
عبد العزيز النعماني كان شابا كثير العلاقات في ذلك الوقت، وقد كان الدكتور عبد الكريم الخطيب يزوره عندما اعتُقل في البداية، وعبد الرحيم بوعبيد يقول بنفسه إنه كان يعلم أن عبد العزيز النعماني كان متهما، بل قال إنه اطلع على اسمه في الملف مكتوبا، لكنه فوجئ باختفائه فجأة رغم أنه كان متهما رئيسيا بقتل عمر بنجلون. هذا الأمر يجعل شخصية النعماني، محط كثير من الغموض والتساؤلات. السؤال هو لماذا صمت القريبون من الملف عن لغز اختفاء أحد أهم عناصره؟
الشخص الثاني هو مصطفى خزار. هذا الشيخ الذي كان وقتها شابا يافعا كثير الحماس، قال إن العلاقة الوحيدة التي تربطه بالشبيبة الإسلامية هي حضوره بعض الدروس الدينية التي كانت تقام بمساجد أحياء الدار البيضاء. انتقل الأمر إلى انشغال بالأمور الدينية وطرح الأسئلة، وكان يحس، ولا شك أن آخرين ما أكثرهم شاركوه نفس الإحساس، أن عمر بنجلون يختلف معهم في أمور كثيرة.
حسب رواية مصطفى خزار نفسه، فإنه توجه إلى حيث يوجد عمر بنجلون وانتظر خروجه ليناقش معه بعض الأمور المتعلقة بما يكتبه في الجريدة، ولم يكن يخفي أن البعض كانوا يعتبرون ما يكتبه عمر بنجلون جرأة «زائدة».
هكذا تطور النقاش بين عمر بنجلون والشاب أمامه، ليفقد مصطفى أعصابه ويطعن عمر بنجلون طعنة أدت إلى وفاته.
ضاع دم بنجلون بين القبائل، كما يقال، بمجرد إلقاء القبض على مصطفى خزار وعبد العزيز النعماني. أمضى الأول عقوبة حبسية طويلة انتهت بعفو ملكي، واختفى الآخر دون أن يجرؤ أحد ممن تابعوا الملف على الاحتجاج، لأن اختفاء اسم أساسي في الملف، من شأنه أن يطعن في مصداقية التحقيق. وُجهت التهمة مباشرة إلى الشبيبة الإسلامية التي كان عبد الكريم مطيع على رأسها، وبقي الموضوع مقفلا، تحول الصراع إلى صراع بين العائلات حتى بعد إيداع مرتكب القتل في السجن. بعد خروجه، نفى أن تكون هناك أي علاقة له بالشبيبة الإسلامية، واعتذر لجميع التيارات الإسلامية في المغرب، معتبرا أن فعلته جرت عليهم متاعب كثيرة، لكنه لم يعتذر لأسرة بنجلون وقال إنه لم يكن ينوي قتل عمر. وحتى بعد أن خرج مصطفى خزار بعفو ملكي، فإن ملف الشبيبة الإسلامية لا يزال حارقا.
بعد 40 سنة على فراره ومقتل عمر بنجلون.. عبد الكريم مطيع يقول آخر الكلام
- أولا كيف تقرؤون عودة بعض الإخوان، أخيرا، إلى المغرب بعد عقود من الاغتراب، والذين كانوا متابعين بتهمة الانتماء للشبيبة الإسلامية؟
هؤلاء عرفتهم شبابا وانقطعت صلتي بهم منذ حوالي ثلاثين سنة، أو أكثر، وهم الآن ما بين الكهولة والشيخوخة، وعامل السن له مفعوله في كل إنسان، يكفي أن المرء في مرحلة ما من عمره -وقد تجاوزوها- لا بد أن يعرب عن نفسه إعرابا تاما، وقد اتضحت حاليا لهم مسيرتهم وتبينوا خط سيرهم فأعربوا عنه واتبعوه. ولهم كامل الحق في ذلك.
- لماذا لم يتحدثوا في نظرك عن خلفيات عودتهم إلى المغرب ولا عن علاقتهم بك؟
ربما يرون وقد بلغوا سنا متقدمة ألا يخوضوا في مجال من القول لا ثمرة فيه.
- بعض المصادر المقربة منهم أسرّت إلي أنهم تلقوا تعليمات بعدم الحديث إلى الصحافة أبدا مقابل عودتهم. إذا كان هذا الأمر صحيحا.. لماذا في نظرك؟
هذه تخمينات يربأ العاقل بنفسه أن يخوض فيها.
- في الإطار نفسه دائما.. هناك من قال إن أصدقاء مطيع عادوا إلى المغرب وبقي هو وحده في لندن، بل هناك من قال إن أصدقاء الأمس تخلوا عنك. ما ردك؟
أولا العائدون لم يكونوا أصدقائي، لأن فارق السن على الأقل لا يجعلهم في مقام الأصدقاء، وثانيا ما نقلتموه إلينا من هذه الأقوال مجرد إشاعات من العوام وإعلام الأرصفة، لا ينبغي للعاقل أن يتتبعها أو يتسقطها أو يستنبط منها رأيا أو حكما أو خبرا، أو يتخذ منها موقفا. قيمة هذه الأقوال من قيمة قائليها. الأمر أكبر من هذه الأقوال وأصحابها، الأمر أمر أمة يتهددها ما يتهددها.
- تابعنا أيضا كيف أن الفترة التي عاد فيها هؤلاء الناس إلى المغرب، راجت خلالها أخبار بقرب عودة السيد حسن بكير، الأمين العام للشبيبة، إلى المغرب..
الدكتور حسن بكير -كما هو حال إخوانه الثابتين بصفنا في الداخل والخارج- ثمرة طيبة من ثمار تربية حركتنا الإسلامية المغربية الأم، له إنتاجه الفكري والعلمي، وهو أولى الناس بنفسه وبالحديث عنها، وقد بلغ من العلم ما يختار به الأصوب من الحكمة، قولا وعملا واختيارا. فإن قرر له الملك رجوعا مكرما يليق بمستواه الخلقي والعلمي والإنساني ليتولى في وطنه ما يفيد به أمته، كنت أول من يشجعه على ما يستحقه من العودة المكرمة.
- مرت الآن 40 سنة بالضبط على اغتيال عمر بنجلون. ما هي علاقتكم بموضوع الاغتيال؟ تعلمون أن التهمة وجهت إليكم من طرف الكثيرين وفي أكثر من مناسبة أيضا.
لا علاقة لي شخصيا ولا علاقة لأحد من شيوخ حركتنا والمنتمين إليها بمقتل عمر بنجلون، لكن قبل أن تسأل عن علاقتنا بهذه القضية كان الأجدر أن تسأل عن أول دليل موثق بالصورة والصوت في قناة مغربية، يتهم فيه الدكتور عبد الكريم الخطيب بالتورط في اغتيال عمر بنجلون، ويؤكد أن ملف التحقيق يحتوي على وثائق إثبات ذلك، ثم بعد إحالة الملف على القضاء، وجد أن هذه الوثائق التي تدين الخطيب قد سحبت. وذلك ما جعل الخطيب يحاول جاهدا أن يبعد التهمة عن نفسه، مستعينا بعبد الإله بنكيران الذي كان يرافقه إلى السجن في زيارات عديدة لهما إلى المعتقلين المتهمين، من أجل تنسيق إبعاد التهمة عنه، وجعل الخطيب يتكفل بالإنفاق على المتهمين وعائلاتهم ما يقرب من ثلاثة عقود، وجعله يتعاقد مع المحامين المدافعين عنهم ويؤدي أتعابهم، وجعله يخفي النعماني أكثر من سنتين إلى أن هربه، وبقي يرعاه في الخارج ويغطي حاجاته ويرسل إليه في باريس رسلا معروفين واحدا تلو آخر، إلى أن قرر إخفاءه بدعوى موت غير محقق أمانة عند بعض حلفائه.
- بخصوص عبد العزيز النعماني. سبق لعبد الرحيم بوعبيد أن قال بدوره إن الملك الحسن الثاني أخبره شخصيا أن عبد العزيز النعماني قد ألقي عليه القبض في قضية مقتل عمر بنجلون، لكنه لم يجد له أثرا وقال إنه كان يختبئ في بيت الدكتور الخطيب. سؤالي لك.. هل جرى في أي يوم من الأيام أي اتصال بينك وبين عبد الرحيم بوعبيد، أو وسيط، خصوصا وأنه كشف هذا المعطى؟
منذ انسحبت من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية سنة 1965، لم ألتق بعبد الرحيم بوعبيد إلا مرة واحدة، عندما زارني أحد المناضلين المعروفين هو الأخ «إقبال»، وأخبرني بأن بوعبيد يريد لقائي في موعد اقترحه بمكتب الاتحاد في الدار البيضاء بشارع «لورلوج»، وفعلا التقيت به لقاء وديا.
- أي قبل مقتل بنجلون بسنوات. نفهم أنك لم تلتقه بعد الحادث. على أيّ.. ماذا دار بينك وبين عبد الرحيم بوعبيد؟
كان اللقاء -إن لم تخن الذاكرة- في سنة 1968، وكان الحديث معه حول بعض الملاحظات التي تتداولها الألسنة داخل الحزب ومعرفة رأيي فيها، كما طرح معي تناقضات سير الاتحاد حينئذ، وطلب مني العودة إلى الحزب فاعتذرت. وتقبل اعتذاري بصدر رحب.
- كان هذا في فترة ما قبل تأسيس الشبيبة الإسلامية. طيب لنواصل في مسألة تهمة مقتل عمر بنجلون. تحدثنا عن التهمة الأولى التي وجهت للدكتور الخطيب..
ثاني تهمة بالتحريض على القتل والتخطيط له وجهها الدكتور العقباني في حوار له مسجل صورة وصوتا، يتهم فيه قيادة حزب عمر (الاتحاد الاشتراكي) بالضلوع في الاغتيال، مما يمكن أن نجد له تفسيرا في علاقة التنسيق الضمني الذي تم لمعالجة القضية، وكانت ثمرته اعتقال المدعو النعماني، من أجل امتصاص غضب أسرة القتيل وأنصاره لفترة معينة، وتكفل الخطيب بالتستر عليه وإخفائه ورعايته إلى أن تم تهريبه، والتحكم في مفاصل المحاكمة، محامين وأصحابا للحق المدني ومتهمين، كي لا تخرج عن المجال المرسوم لها.
وثالث صورة للقضية خرج بها علينا اليازغي، بعد أن اتهمه العقباني بالتورط في قتل زميله في الحزب، هي ما صرح به للجزيرة الوثائقية من أن النعماني كان بالرباط مندسا في صف اليسار الراديكالي وبالدار البيضاء مندسا في صف الشبيبة الإسلامية، وأنه لذلك كان يشتغل مع الاستخبارات المغربية. وزاد على ذلك الادعاء بأن الشبيبة أول من مارس الإرهاب في المغرب، مع العلم بأن اليسار المغربي الذي انتمى إليه اليازغي أول وآخر من مارس الإرهاب منذ فجر الاستقلال، اغتيالا ماديا وقتلا حقيقيا وتآمرا مسلحا، مما يضيق المجال عن تفصيله في هذا الحوار، بل إن اليازغي نفسه قد دعا إلى التصفية الجسدية للإسلاميين، حسب ما نشرته الصحف عنه قديما ولم يكذبه. وإن حركتنا بريئة من دم أي مغربي، وأي إنسان على وجه الأرض، وبما أننا أكدنا منذ أربعين سنة أننا لا علاقة لنا بالنعماني، والنعماني نفسه يؤكد أنه يمثل جماعة مستقلة عن الشبيبة الإسلامية، فإن من المطلوب أن يبين اليازغي لنا من هم رجال اليسار الراديكالي الذي يعنيه وكان النعماني مندسا بينهم، لاسيما واليازغي نفسه كان محسوبا على هذا اليسار الراديكالي مدة طويلة إلى أن تم استوزاره، ورداد العقباني اتهمه شخصيا بالتورط في دم عمر بنجلون.
ورابع صورة للقضية تؤكد ما ذهب إليه العقباني من دور لليسار في التخلص من بنجلون، هي تصريحات أحمد بنجلون والمحامين المشاركين في وثائقي الجزيرة، وقد أكدت كلها استفادة قيادة الاتحاد الاشتراكي من مقتل بنجلون وانعدام وفائهم له، وحرصهم على مسح كل أثر له في الحزب حال مقتله.
وعلى هذا فقضية مقتل بنجلون في مجملها لا تعدو احتمالين اثنين:
أن تكون طارئة بدون نية قتل، أو قصد إلحاق أذى، نتيجة نقاش تبعه استفزاز كما ذكر ذلك الفاعل نفسه في وثائقي الجزيرة، ثم انقضَّتْ عليها الأجهزة المغربية واليسار المغربي لضرب الحركة الإسلامية الناشئة التي أزعجت الطرفين.
أو أن تكون اغتيالا سياسيا مخططا له من الاستخبارات المغربية على شاكلة اغتيال المهدي بن بركة، بتواطؤ من الخطيب وبعض القيادات اليسارية، كما تشير إليه القرائن المتوفرة.
أما نحن فلا علاقة لنا بالموضوع من قريب أو بعيد، لا بالتشجيع أو التحريض أو المشاركة أو التزكية، بل كنا أول من أعلن براءتنا من ذلك واستنكارنا له حال وقوعه في عدد من الصحف الوطنية والعالمية. كما أن شهادة مصطفى خزار الموثقة في وثائقي الجزيرة ناطقة بعدم وجود أي علاقة لنا بالموضوع مطلقا.
- طيب في نظرك، من الخاسر ومن المستفيد من مقتل عمر؟
الخاسر الأكبر بمقتله هو أسرتي وأسرة عمر. أما المستفيد من مقتله فهو النظام المغربي الذي تخلص من رجلين؛ أولهما عبد الكريم مطيع وضرب حركته الإسلامية الناشئة، وثانيهما رجل صلب هو عمر كان يمثل تهديدا للنظام وحكم عليه بالإعدام سابقا وتعرض لمحاولات تصفية عديدة، ولربما استفاد بعض اليساريين لأغراض حزبية وسياسية، كما استفاد الحزب الحاكم الذي استنبته الخطيب من بعض مخلفات حركتنا الإسلامية.
- الكثيرون قالوا إن مجرد صعود الإسلاميين في انتخابات 2011 إلى الحكومة من شأنه أن يفتح ملفكم من جديد، بل وقالوا إنه سيحله نهائيا. ما رأيك في هذا الكلام؟
ولكن الكثيرين أيضا قالوا إن تولي اليساريين رئاسة الحكومة سابقا سيحل قضية اختطاف المهدي بن بركة، ولم يتحقق شيء من ذلك.
إن موضوع عودتي من اختصاص الدولة على رغم إنكار المنكرين، وحزب بنكيران ووزرائه وجنوده وأتباعه ومناوراته لعرقلة الصلح مع الدولة أصغر بكثير مما يتوهمون.
- ما هي الأسباب التي جعلتكم لا تفكرون في العودة لحد الآن وقد تجاوزت «هجرتك» 40 سنة؟
ومن لا يفكر في العودة إلى وطنه؟ إلا أن أسباب حرص النظام على التخلص مني وإبعادي عن وطني ما زالت قائمة حسب رأيي، والعودة نفسها مرتبطة بزوال هذه الأسباب، كما أنها مرتبطة بجبر الأضرار الناجمة عن محاولات النظام الإضرار بي واغتيالي طيلة فترة الهجرة هذه، وبما سبقها وتخللها من التجاوزات القضائية الناتجة عن التهم الملفقة. هذه التهم الملفقة ضدي ما كان لها أن تصل إلى المحاكم في أي دولة قضاؤها مستقل. ولذلك فإن مسألة عودتي قضية سياسية بحتة، لابد لها من حل سياسي.
- نريدك أن تقربنا من شخصيتك أكثر. كيف يعيش عبد الكريم مطيع حياته اليوم؟
أعيش حياتي اليومية مطمئنا كما عاش ويعيش المشتغلون بالعلم، دراسةً ومطالعة وتأليفا وتصنيفا، شاكرا لله على ما كتب لي من المساهمة صحبة ثلة من علماء حركتنا ودعاتها، في تربية أجيال من الشباب المغربي الذي يدافع عن الدين ويشارك في تحمل مسؤولية بناء الوطن في جميع المجالات، غير مغفل أن أتابع أحوال الأمة الإسلامية في جميع مفاصلها السياسية والاجتماعية والتربوية؛ لأنني كمسلم عضوٌ فيها وشاهدٌ عليها.
- إذا سألتك عن احتمال وجود حوار بينك وبين الدولة؟
عندما أرسل إلي الأستاذ المهدي العلوي، سفير المغرب في ليبيا سابقا، بواسطة عضو أمانة حركتنا الأخ الأستاذ، حسن بلكبير مشفي -رحمه الله تعالى- أسئلةً استيضاحية معينة، أجبته بسؤال: (هل أسئلتك هذه بداية حوار معي، أو مفاوضة؟) فأجابني بأنها ليست حوارا ولا مفاوضة، فلم أجبه عنها. لذلك فالحوار المفترض تقرره الدولة على يد من تختاره. وفي كل الأحوال قلوبنا وعقولنا مفتوحة لأي مبادرة طيبة من أصحاب القرار.
- من هي الشخصية التي ستختارها لتحاورك، أو تتوسط بينك وبين الدولة؟
هذا أمر تقرره الدولة، وليس لنا أن نتدخل فيه.
- كيف قضيت 40 سنة خارج المغرب؟ ماذا يعني لك هذا الأمر؟
قضيتها في سياحة دينية أرجو الله أن يضاعف أجرها، ويعني هذا بالنسبة إلي أنني في ضيافة الله تعالى إن شاء سبحانه.
- هل كان ممكنا في رأيك أن يُحل هذا الملف في مدة أقصر؟ أقصد أن الاتحاديين أيضا كانوا معارضين واليوسفي حكم عليه بالإعدام ليس مرة واحدة فقط، وإنما مرات كثيرة، والفقيه البصري أيضا، ودخلوا إلى المغرب، واليوسفي أصبح رئيسا لحكومة التناوب..؟
الممكن وغير الممكن موكل بإرادة الله تعالى، ولا قياس بيني وبين من ذكرت من اليساريين، لاختلاف النوايا والأهداف والمبادئ ومعادن الرجال.
- إذا عاد عبد الكريم مطيع إلى المغرب.. هل يمكن أن نراه يوما رئيسا لحكومة، أو مؤسسا لحزب سياسي، أو حتى منتميا إلى حزب على غرار ما قام به السلفيون الذين توبعوا بتهم تكوين جماعات إرهابية مسلحة داخل المغرب، وتم العفو عنهم وانضموا سياسيا إلى محمد الخاليدي ومحمود عرشان؟
في حدود علمي بنفسي أني لست من فصيلة رؤساء الحكومات، أو وزرائها، أو رؤساء الأحزاب وأعضائها، إننا حركة في أصل تأسيسها تربوية علمية ودعوية تعليمية، لم نفكر قط في خوض المجال السياسي إلا بعد أن اعتُدِيَ علينا وحاولت جهات رسمية تصفيتنا، فلم يكن لنا إلا أن ندافع عن أنفسنا، ونخوض المجال السياسي دفاعا عن وجودنا، ولو تُرِكْنا لِما نذرْنا أنفسنا له لما تطور الأمر إلى ما تطور إليه، ومع ذلك فليست لنا ولن تكون لنا إن شاء الله أي أطماع سياسية، أو حزبية.
أما بعض السلفيين الذين فضلوا بعد خروجهم من السجن أن ينضموا إلى أحزاب معينة، فهم قلة قليلة جدا لا تتجاوز واحدا من الألف بالنسبة لعموم السلفيين القابعين في السجون، أو المختطفين، أو المهاجرين إلى الخارج، أو المنزوين في بيوتهم ممن أدعو لهم الله بالفرج بعد الشدة، واليسر بعد العسر.
- أريد رأيك في ما شهده الواقع السياسي المغربي في السنوات الأخيرة. ما رأيك في العفو، أخيرا، عن السلفيين الذين وجهت إليهم تهمة الوقوف وراء الهجمات الإرهابية في 16 ماي 2003 وغيرها في 2005؟
العفو عن هؤلاء الإخوة مبادرة طيبة، أزاح الملك بها عنهم الظلم. أتمنى أن يشمل العفو أيضا من بقي من المعتقلين.
- ما الحل في نظرك للنهوض بوضعية البلاد أمام تراجع الأحزاب؟
الأحزاب السياسية المغربية أفسد التنافس على المناصب والثروة كثيرا منها، والانتخابات أفسدها التنافس غير الشريف على الأصوات، والنخبة المغربية التي يعول عليها للنهوض بالبلاد تحتاج إلى إعادة تأهيل.
- ماذا تقصد بتأهيل النخبة المغربية؟ ماذا ينقصها في رأيك؟
أقصد بالتأهيل رفع شعور النخبة بالمواطنة البناءة التي تحرص على توزيع خيرات الوطن بعدل، ولا تستأثر بها، وتحرص على مصلحة الأمة بدل الحرص على الكسب السياسي والمادي. وهذه مهمة نقطة البدء فيها إصلاح التعليم وتطوير مناهجه في جميع مراحل الدراسة، وفي جميع المؤسسات الـتأهيلية التخصصية.
- ما رأيك أيضا في الضجة التي أثيرت في المغرب حول توصيات مجلس حقوق الإنسان، بخصوص المساواة في الإرث بين الإخوة الذكور والإناث؟ كيف تقرأ إثارة هذا الأمر أخيرا؟
هذه المطالب تتعارض تعارضا مطلقا مع منصب إمارة المؤمنين وشرعيته، وتؤدي في حال تحققها إلى إغراق البلاد في فتن عارمة. إن المطالبين بذلك إما أن عقولهم قاصرة عن فهم هذا، لأن في الأمر نصوصا قرآنية قطعية الثبوت والدلالة ولا اجتهاد مع النص، وإما أنهم يقصدون إثارة فتنة لا تبقي ولا تذر.
- نسمع دائما عن انضمام شبان مغاربة إلى تنظيم «داعش»، من يتحمل في نظرك هذا الفراغ الديني الذي يجعل هؤلاء الشباب يُستقطبون بهذا الشكل؟
من أسباب هذه الظاهرة البطالة السافرة والمقنعة، والتفكك الأسري الناتج عن الفقر والجهل، وعدم نجاعة برامج التنمية الاجتماعية، أو عدم تنزيلها تنزيلا سليما، وتقييد حرية الدعاة الصادقين المعتدلين عن القيام بواجبهم. وتفشي الفاحشة بجميع أصنافها، ومجاهرة أصحابها وتحديهم للمجتمع بها، كل هذا يستفز بعض الشباب الطامح إلى أخذ مكانته الطبيعية في المجتمع، ويدفعه إلى ردود الفعل العشوائية المدمرة.
- ومن هم الدعاة الصادقون في نظرك؟
هم كل متفقه في دينه شاعر بمسؤوليته نحو وطنه وأمته، مغلب للمصلحة العامة، ناكر لحظوظ نفسه في دعوته، حريص على أمن بلاده، واستقرار وطنه. وهذا يقتضي العناية بمراكز التأهيل الديني مؤسسات ومناهج وطرق تلقين وتدريب، ومعايير اختيار وتوجيه للطلبة والمدرسين.