شوف تشوف

الرئيسية

عليم بركاني مخترع «الكمامة» الطبية القابلة لإعادة الاستعمال

لن أبيع اختراعي لأحد ولو كانت الحدود مفتوحة لدخلت إلى المغرب الآن لتقديمه للأطباء

حاوره: يونس جنوحي
«احتفلوا به في بروكسيل. وقدموا اختراعه في الصحافة البلجيكية هذه الأيام على أنه اختراع سيحدث ثورة كبيرة في عالم صناعة الكمامات الطبية التي صارت أندر من الذهب هذه الأيام وأدخلت دولا كبرى في حالة من «الهستيريا» وصلت حد سرقة الكمامات من حمولات الطائرات على طريقة القراصنة.
في هذا الحوار الحصري الذي خص به المهندس عليم بركاني «الأخبار»، حكاية صناعة كمامة طبية بواسطة الطباعة ثلاثية الأبعاد، قابلة لإعادة الاستعمال.
لنرى كيف بدأ هذا الشاب الحاصل على الباكالوريا في مدينة وجدة سنة 1994 قصته مع الهندسة والاختراعات وانتقاله إلى الطباعة ثلاثية الأبعاد، واختراعه للكمامة الطبية الثورية التي، حسب مقالات متخصصة في الصناعات الطبية، سوف تغير المجال كثيرا وتُنهي حاجة العالم إلى ملايين الكمامات الطبية كل أربع ساعات».

  • أنت خريج المدرسة العمومية المغربية. حدثنا أولا عن دراستك في المغرب وكيف جاءت الهجرة إلى بلجيكا؟
    وُلدت سنة 1974 في مدينة وجدة، وبها قضيت جميع مراحل دراستي إلى أن حصلت على الباكالوريا. عندما صار عمري 20 سنة، أي سنة 1994، ترسخت لدي فكرة استكمال الدراسة بالخارج، بتشجيع من أخي الأكبر الذي كان مستقرا هناك، واستقر قراري على دراسة الهندسة المعمارية.
    احتضنني أخي الأكبر وانخرطت في التحصيل العلمي، لكن كان عليّ العمل صيفا لتأمين مصاريف الدراسة، خصوصا واجب الانخراط السنوي.
    لم تكن الأمور سهلة عليّ، وطبعا صادفتني مشاكل الاندماج كأي شاب قادم من وسط بسيط ومحافظ. لكن، الحمد لله، استطعت التأقلم تدريجيا ومواصلة تحصيلي الدراسي بشكل مشرّف.
  • ما الأعمال التي زاولتها؟
    اشتغلت في مطار بروكسيل في قسم البضائع. كنت أعمل يومي السبت والأحد. وهذا يعني أنني لم أكن أرتاح نهائيا أي يوم في الأسبوع. كنت أقضي أيامي كلها في الدراسة والتحصيل، ويومي السبت والأحد في تحميل الحقائب إلى الطائرات.
    لكن في السنتين الأخيرتين من الدراسة تغيرت أموري نحو الأفضل. وبدأت أشتغل في مجال دراستي. ما بين 2000 و2001 بدأت الاشتغال في مكاتب الهندسة. والبداية بفضل صديق من مدينة الرباط كان يدرس معي وأنهى تدريبه في أحد مكاتب الدراسات المتعلقة بالهندسة المعمارية واقترحني لكي أحل محله، وهكذا تمكنت من قضاء تدريب والحصول على أجر في الوقت نفسه لأستعين به على قضاء أموري الخاصة.
  • المُلاحظ أن مجال تخصصك، أي الهندسة المعمارية، بعيد تماما عن اختراع الكمامة الطبية. كيف انتقلت إلى هذا المجال؟
    +جاء الأمر بفضل انتقالي إلى العمل الميداني في البناء. فقد قضيت به حوالي ثلاث سنوات. بعدها فكرتُ في العمل حرا للتفرغ للبحث وتطوير نفسي أكثر بدل العمل لصالح شركة معينة. وفعلا بدأت الاشتغال بشكل حر، أي freelance، وخلال تلك الفترة فكرت في تأسيس شركتي الخاصة في مجال الديكور والتصميم الداخلي للمنازل، وهو مجال تخصصي دائما. أخبرك بهذا الأمر لأنه متعلق باختراعي الأول. قمت باختراع آلة للنقش فوق الأسطح. آلة واحدة يمكن النقش بها فوق الخشب والزجاج والحديد وأي سطح صلب فقط بتغيير الرأس الذي يوجد به «اللايزر». وكان هذا الاختراع محفزي الأول للمواصلة.
    تقدمت باختراعي لإحدى المسابقات في بروكسيل، وفزت بالجائزة الثانية.
    الاختراع الثاني كان في مجال الطباعة ثلاثية الأبعاد.
  • وهو الذي استعملته لطباعة الكمامات الطبية؟ قرأت أن اختراعك توصلت إليه عن طريقة طباعة أول كمامة بـ«فيلتر» يمكن استبداله. صحيح؟
    نعم مجال الطباعة ثلاثية الابعاد هو الذي أدخلني إلى مجال الكمامات الطبية. جاءت الفكرة عن طريق صديقة أرسلت إليّ رسالة واقترحت عليّ أن أقوم بطباعة الكمامة. لكن المشكل أن آلة الطباعة ثلاثية الأبعاد كانت تطبع كمامة واحدة في ظرف ساعتين. وهي مدة طويلة للغاية في سلسلة الإنتاج. نشرتُ على صفحتي في الفايسبوك أنني أستطيع طباعة الكمامة من مواد صلبة شبيهة بالبلاستيك. واتصلت بي بعض الشركات في بروكسيل.
    من بين المتصلين كانت السيدة نعيمة بلخاتير. وهي سياسية بلجيكية مغربية الأصل، وتنحدر تحديدا من مدينة وجدة، وتنتمي إلى الحزب الاشتراكي. هذه السيدة لها فضل كبير عليّ لأنها ربطتني بصحافي نشر مقالا عن تمكني من طباعة الكمامة التي توضع على الوجه.
  • لكن هذا «الماسك» الذي تتحدث عنه لا تتوفر فيه المعايير الطبية. تقول إنك طبعته من مواد صلبة كالبلاستيك. الكمامة الطبية أمر آخر..
    سوف أشرح. عندما اشتهرت في الأوساط العلمية في بروكسيل بفضل المقال الصحافي. تحفزت لكي أطور عملية الطباعة. كان الهدف أن أدخل موادا طبية في الطباعة وأن أقلص المدة الزمنية للإنتاج من ساعتين إلى دقائق. وبحكم اشتغالي على نماذج لآلات الطباعة ثلاثية الأبعاد، قمتُ بتطوير الأمر واستعملت المطاط الذي تُصنع منه الأربطة الطبية لآلام الظهر. (يضحك) قدمه لي أحد أفراد عائلتي لأني فكرت في استعمال الخصائص المطاطية في صناعة الكمامة، وأشار إلى أنه يتوفر على حزام من الأربطة المطاطية.
    اختراعي يكمن سره في فتحات التهوية التي قمت بإحداثها في «الكمامة». تركت ثُقبين على اليمين واليسار وجعلت منهما مكانا للتهوية بوسائل بدائية، لكنها قابلة للاستبدال. واتصلتُ بالصحافي الذي كان له فضل في ربطي بطبيب متخصص في جراحة اليد. وهو الطبيب «فيليب هوانغ» Philipe Hoang.
  • كان هذا سنة 2016 كما ذكرتَ للصحيفة البلجيكية التي زفّت اختراعك هذه الأيام إلى العالم. هل يمكن أن نقول إن وباء كورونا كان له فضل في إخراج الاختراع إلى الوجود؟
    أولا، قضيت فترة مهمة في تطوير فتحات التهوية لكي تكون بهذه الطريقة. لا أريد أن أقول إني استغللت الوباء لأن هدفي، أؤكد لك، ليس ربحيا. لكن لا أخفيك أن «كورونا» كانت حافزا أمامي لكي أسرّع إخراج اختراعي إلى الوجود. قمت بتطوير فتحات التهوية لتصبح احترافية وهكذا أصبح الاختراع جاهزا. وقمت بتسجيله، وهو ثورة حقيقية في عالم الكمامات.
  • لكي نفهم جيدا. أين يكمن تميز اختراعك؟ هل في الصناعة ثلاثية الأبعاد للكمامة وثقوب التهوية؟ أم في تفصيل آخر لم تذكره؟
    قوة الاختراع تكمن في المواد التي استعملتها في طباعة الكمامة، لكي تصبح كمامة قابلة للتعقيم الطبي. أي أنها تتحمل درجة حرارة مرتفعة كافية لتعقيمها، وبالتالي إعادة استعمالها مرات أخرى عكس الكمامة العادية التي تُرمى بعد 4 ساعات، كحد أقصى لاستعمالها. المسألة الثانية في ثقبي التهوية على يمين ويسار الكمامة. حيث إنهما الآن يتوفران على «فيلترات» للحماية من العدوى، وقابلة للاستبدال. يمكن تصنيع أعداد هائلة من هذه الفيلترات التي اخترعتها وتستبدل بسهولة، ويمكن تخزينها وتسويقها بكلفة أقل بكثير من كلفة الكمامة العادية.
  • متى بالضبط توصلت إلى هذه النتيجة؟
    في الحقيقة التطوير استمر كثيرا، إلى حدود الأسبوعين الماضيين، كنت أشتغل على الشكل النهائي لبداية الإنتاج. والآن الأمور جاهزة. وأنا فخور جدا بما وصلت إليه بفضل تشجيع الدكتور فيليب.
  • هل تمت تجربة الكمامة الجديدة؟
    بطبيعة الحال. جربها الدكتور فيليب سابقا واقترح عليّ ملاحظات قمت إثرها بإجراء تعديلات طفيفة على الشكل وأصبحت الكمامة جاهزة. وتم اختبارها من ناحية السلامة والنجاعة في الوقاية، وتم تعقيمها واستعمالها. كل التجارب الميدانية أجريت على الكمامة وأثبتت نجاعتها عمليا وطبيا. نشرت الصحافة مقالات عن الاختراع ووصفته بالثوري، وكان هذا بالتزامن مع بحثي عن تسويق المُنتج. اتصلت بالمسؤولين في بلجيكا، لكني يجب أن أقول إن هناك نوعا من التأخر في تعاملهم مع الموضوع. علما أن الحاجة إلى الكمامات كبيرة جدا، وفي بعض الدول هناك مشكل كبير بسبب انقراض الكمامات الطبية تماما من السوق. اختراعي يُنهي هذه «المأساة».
  • سأسألك سؤالا مباشرا، والرد يكون مباشرا أيضا. هل توافق أن تقدم اختراعك هذا إلى الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى خارج بلجيكا. ما دمت طبعا تقول إن هناك تأخرا في إجراءات الترخيص لاختراعك؟
    لا. الجواب قطعا لا. وسأخبرك أمرا لكي أكون مباشرا وصريحا. عندما جلس معي الصحافي ليكتب مقالا عن الاختراع وكيف قمت بصناعة كمامة طبية قابلة للتعقيم والاستعمال مرات متعددة، قلت له لدي شرط. قبل حتى أن نبدأ في الحديث عن الاختراع. قلت له شرطي أن تذكر في مقالك أنني بلجيكي مغربي. وليس بلجيكيا فقط.
    بلجيكا قدمت لي فرصة استكمال دراستي العليا وفرص العمل واحتضنتني. لكني مغربي درست في المغرب وحصلت على شهادة الباكالوريا في المغرب.
  • تقدم اختراعك للمغرب إذن؟
    بالتأكيد. وبدون قيد أو شرط. بل أزيد أنني أتأسف الآن جدا لأن الظروف لا تسمح بالدخول إلى المغرب. لو أن هناك إمكانية ركوب طائرة والتوجه إلى المغرب لكي أقدم اختراعي وأبدأ إنتاجه هناك لتستفيد الأطقم الطبية منه في هذه الظروف، لجئت بدون أي تردد.
  • هل هناك احتكار بلجيكي للفكرة؟ أنت تحدثت الآن عن تأخر فقط في الإجراءات..
    (مستدركا) ليس هناك أي احتكار بلجيكي للفكرة. الاختراع ملكي ومسجل باسمي. وهو بحق ثورة حقيقية في عالم صناعة الكمامات الطبية. لم يفكر أحد من قبل في صناعة كمامة قابلة للاستعمال مرات كثيرة توفر على الدول والحكومات جهود استيراد ملايين الكمامات.
    دعني أوضح لك أمرا غاية في الأهمية. هذا التهافت العالمي على الكمامات الذي وصل إلى حد سرقة حمولات الطائرات أثناء توجهها بالمعدات إلى الدول التي تعاني من تفشي الوباء. سوف ينتهي لو تم تعميم اختراعي هذا. أنا ضد احتكاره من أي جهة. لقد سألتني سابقا عن العروض والولايات المتحدة وأخبرتك أنني أرفض. لأن هدفي ليس ربحيا بالدرجة الأولى.
  • اشرح لي كيف سيُحدث اختراعك ثورة في عالم الكمامات.
    بلجيكا تخلصت السنة الماضية من ستة ملايين كمامة منتهية الصلاحية. تخيل. ستة ملايين كمامة طبية رُميت كلها لأن صلاحيتها انتهت ولا يمكن استعمالها. لو بقيت هذه الكمامات صالحة لشكلت فرقا في أعداد الإصابات في المستشفيات في بلجيكا.
    الكمامة التقليدية تشكل عائقا كبيرا وتتطلب مصاريف إضافية لتخزينها حتى لا تتلف. بسبب فيروس كورونا تصور معي كم كمامة تُرمى بعد أربع ساعات فقط على استعمالها. إذا قمت بعملية حسابية ستجد أن العالم يحتاج ملايين الكمامات كل أربع ساعات. لهذا السبب انقرضت من الأسواق ولم تستطع الشركات مواكبة الحاجة المفاجئة إلى الكمامات بهذه الصورة الخيالية.
    الكمامة التي اخترعتها يمكن اقتناؤها واستعمالها، وتوفير ملايين الكمامات. يمكن استعمالها لخمس مرات أو ست. وتعقيمها في كل مرة. ويمكن استعمالها مرات أخرى باستبدال «الفيلتر» بطبيعة الحال. وتخزينه لا يحتاج إلى مصاريف كثيرة.
  • لماذا في نظرك تأخر تسويق الكمامة؟
    أعتقد أن الأمر في بلجيكا راجع إلى حالة الانشغال بفيروس كورونا. كل المسؤولين والإدارات على كل المستويات منهمكون في موضوع الوباء. هناك تأخر، هذا واضح، لكني آمل أن تسير الأمور بشكل أسرع مستقبلا لكي يتم تعميم الاختراع في المستشفيات. وكما قلت، لدي رغبة كبيرة في رؤية كمامتي على وجوه الأطباء المغاربة أيضا وأقدم خدماتي لبلجيكا والمغرب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى