يونس جنوحي
كان تصريح مارين لوبان بشأن ما يقع حاليا في فرنسا من أحداث، مُتوقعا.
حتى أنه بات على من يعملون معها مستشارين ومُشرفين على التواصل، ألا يضيعوا وقتها في صياغة التصريحات والمداخلات والبلاغات الصحافية، وأن يكتفوا بصياغتها بشكل مسبق وإطلاعها عليها قبل الإرسال إلى «من يهمهم الأمر».
أول أمس الأحد دعت زعيمة اليمين المتطرف إلى وقف الهجرة «الفوضوية» إلى فرنسا، وحمّلت المهاجرين مسؤولية عمليات النهب الواسعة التي تتحدث عنها الصحافة الفرنسية وتنتشر صورها في كل مكان.
رد وزير الداخلية على «الخُطبة» التي ألقتها «مارين لوبان»، في البرلمان الفرنسي، وقال إن أزيد من 3000 شخص أوقفوا خلال الخمسة أيام التي سبقت يوم الأحد، أي طوال أيام الأسبوع الماضي تقريبا. والصادم أن 90 في المائة من الموقوفين هم فرنسيون أبا عن جد، وليسوا فرنسيين من أصول مهاجرة مثلا.
أي إن الفرنسيين انخرطوا بقوة في أعمال العنف، وصدق التحليل القائل بأن الغاضبين من الحكومة الفرنسية بشأن قانون إصلاح سن التقاعد استغلوا الفرصة للانتقام من الحكومة، بسبب أزمة مقتل الشاب نائل، وهو الحادث الذي حول البلاد كلها إلى مسرح سينمائي لأفلام الرعب والتخريب.
وزير الداخلية أضاف في رده على مارين لوبان أن التحليل القائم على الهوية خاطئ.
إلى حد الآن لم يتم الإعلان عن حالة طوارئ، رغم أن عددا من المحللين السياسيين والأمنيين قالوا إن البلاد دخلت فعلا في حالة طوارئ، بسبب ما يقع في فرنسا من أعمال عنف وتخريب ونهب للمحلات التجارية وإتلاف للممتلكات العامة وسيارات المواطنين.
إلى درجة أن شركات التأمين تكبدت خسائر فادحة، وسوف يكون عليها دراسة آلاف الملفات المستعجلة في آجال قريبة، لتعويض الضحايا المؤمن على ممتلكاتهم لديها.
مارين لوبان التي تريد إيقاف تدفق المهاجرين إلى فرنسا، سبق لها أن عبرت في أكثر من مناسبة عن رغبتها في ترحيل المهاجرين من أصول مغاربية وعربية وإعادتهم إلى بلدانهم الأصلية، رغم أن الجيل الثالث من المهاجرين وُلدوا في فرنسا لآباء وُلدوا بدورهم في فرنسا، واقترحت هذا الأمر حلا لكل مشاكل فرنسا الاقتصادية.
إذا كانت زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي ترى أن المهاجرين مسؤولون عن أعمال الشغب والتخريب التي تعرفها بلادها، عليها أن تجد لنفسها وقتا مستقطعا، وتتوجه إلى مقر المكتبة الوطنية في باريس، وتلج إلى مكتبة أرشيف صور المغرب قبيل الحماية الفرنسية، وإذا كان وقتها لا يسمح، نقترح عليها أن تفتش فقط في أرشيف صور ما بين سنتي 1954 و1955، لكي ترى بنفسها حجم الفظاعات التي ارتكبها إخوانها الفرنسيون في المغرب، وحجم الدمار والقتل الذي تسببوا فيه باسم فرض استباب الأمن في البلاد.
الأمن الفرنسي أيام الحماية لم يكن يعتبر قتل المغاربة والتنكيل بجثثهم في الشوارع وإحراق المزارع وهدم المنازل وإعدام العشرات في الأسواق الأسبوعية، جرائم في حق الإنسانية، بل مجرد إجراءات أمنية روتينية لفرض السيطرة الأمنية على المدن والقرى، التي كانت ترفض سياسات المعمرين الفرنسيين.
الأمر نفسه ينطبق على بقية الدول المغاربية التي استعمرتها فرنسا، وعلى الدول الإفريقية الأخرى التي وضعت فرنسا قدميها فيها، قبل أزيد من قرن ونصف القرن.
من يجب أن يرحل عن فرنسا هم المتعصبون اليمينيون الذين لا يزالون ينظرون إلى أي دولة استعمرتها فرنسا سابقا، على أنها إرث استعماري. أمثال مارين لوبان، رغم كل ما يدعونه من اشتغال على الصالح العام، لا يتقبلون منظر رؤية مهاجر يقود سيارته وسط باريس، ويشعرون بحنين إلى أيام القوانين التي تمنع المغاربة من الحصول على رخص السياقة والمشي فوق الرصيف، جنبا إلى جنب مع الفرنسيين، في شارع «فرنسا» وسط الدار البيضاء.