شوف تشوف

الرأي

علمتني الأيام..

أن السير في طُرق مُلتوية نعرف مسبقاً أنها تؤدي إلى اللامكان، وتحمل عقباتها القاسية فقط لأننا نأمل أن نخرج منها سالمين وأن السعادة ستنتظرنا في نهاية المطاف، كانت مجرد خيار جبان نلجأ إليه كلما فقدنا القوة اللازمة لمواجهة الفراغ الذي نراه دائماً كلما تقدمنا خطوة أخرى في نفس الطرق الملتوية.
أن أرسطو كان صادقاً حين قال: «يا أصدقائي، لا وجود للصديق»، لأنه برغم كل تلك المحاولات البائسة لبناء المجتمعات الأفلاطونية في هذا العصر، تبقى الحقيقة واحدة ومطلقة، وهي أننا نلمع ما لا يجب تلميعه في الآخرين، ونتعامل مع الجميع بمنطق «المتهم بريء حتى تثبت إدانته» في حين أن الواقع لا يعترف ببنود القانون، وأنه إن كان من الضروري اعتماد قاعدة ما في التعامل مع من نعتبرهم أصدقاء، فيجب أن تكون عكس ذلك تماماً، فالبريء متهم حتى يثبت براءته.
أننا نجيد التخفي وراء الكلمات، ولا نملك الشجاعة لتسمية الأشياء بمسمياتها، نختار كلمات مرصعة بالذهب كي نبرر بها البشاعة والبغض البشري الذي يسكننا، وكأننا نحاول التلاعب بأدمغتنا، وجعلها تصدق رواياتنا الخيالية كي نقتل ضمائرنا التي تلعب دور الجلاد أمامنا، ونعيش في سلام نعتقد أنه أبدي إلى أن نكتشف غباءنا.
أن أي شيء في هذه الحياة، مهما كان يبدو صعب المنال ومُغرياً لنا لخوض السباقات الطويلة والشاقة للوصول إليه، هو مجرد سراب يحسبه الظمآن ماءً. يكفي أن نصل إليه كي نكتشف أنه مُمل لدرجة أننا ضحينا بأشياء كثيرة في طريقنا كي نجد أنفسنا في النهاية أمام وهمٍ لم يستحق منا يوماً رُبع جُهودنا.
أن الأخلاق قد تبدو ملاذاً للضعفاء الذين ليس باستطاعتهم خوض معارك الحياة الضارية في مواجهة الأقوياء والأغنياء والحُكام، وأنها رواية رومانسية بليدة لا نفع منها على الإطلاق في عالم يسوده السباق اليومي لامتلاك كل ما هو مادي وثمين، ولكن هذا هو ظاهرها وحسب، لأنه على المدى الطويل لا ينتصر إلا الكائن الأخلاقي لأنه في الأصل لا يملك أي شيء لكي يخسره.
أن أغلب من يتحدثون عن كُتب عظيمة وعن روايات طويلة، ويستعملون عناوينها في أحاديثهم اليومية، لم يقرؤوا منها صفحة كاملة في أحد الأيام. يكتفون فقط بقراءة بعض اقتباساتها هُنا وهناك ويحسبون أنها كافية للحديث عنها في كل المناسبات، كي يلبسوا جلابيب المثقفين الحاليين الذين لا يربطهم بالثقافة سوى أضواء المؤتمرات وولائمها ومواعد معارض الكتب التي حتى وإن حدث واقتنوا منها كتاباً فإنهم، ويا للغرابة، لا يرفعون بها من معدل القراءة بالبلاد.
علمتني الأيام أن كل ما نتعلمه منها ثمين جداً لدرجة أننا ندفع ثمنه بالتسبيق و تقسيطاً لمدة طويلة جداً قد تحتل أعمارنا كاملة، وأننا مع كل درس نتعلمه نفقد جزءاً مناً والمُنتصر هو من يتعلم كل شيء ومع ذلك يظل واقفاً لا ينحني أبداً.

مقالات ذات صلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى