شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

علاقة روسيا بأمريكا

 

 

نصر محمد عارف

 

بعد وصول ميخائيل غورباتشوف إلى سدة الحكم في الاتحاد السوفياتي، بدأ في تطبيق سياسة «البيريسترويكا»، والتي تعني إعادة الهيكلة. ثم أضاف إليها سياسة «غلاسنوست»، والتي تعني الشفافية، ومن هنا بدأت القبضة الحديدية للحزب الشيوعي السوفياتي تتراخى، ومعها سقطت شعارات «العداء للغرب الإمبريالي الرأسمالي».

في هذا السياق، جاء أول قرار يسمح للمؤسسات الرأسمالية الغربية بالوجود في العاصمة موسكو، عام 1988، وذلك حين وافق الحزب الشيوعي السوفياتي على الترخيص لشركة «ماكدونالدز» الأمريكية للوجبات السريعة، بأن تفتح مطاعم لها في أراضي الاتحاد.

وبعد عامين، وقف 5000 مواطن سوفياتي أمام الفرع الأول لـ«ماكدونالدز»، في ميدان بوشكينسكايا بموسكو، لأكثر من 10 ساعات للحصول على وجبة، وفي هذا اليوم دخل المطعم نحو 30000 مواطن لتذوق طعم الرأسمالية، والتمتع بأول ثمار العولمة.

لقد حفظ التاريخ الحديث لنا أن أهم مؤشرات سقوط الاتحاد السوفياتي كانت وقوف المواطنين بموسكو، قبل ذلك بأقل من عام ليوم كامل من أجل «ساندويتش أمريكي»، وقد مثل هذا المشهد نهاية العالم ثنائي القطب، في مطلع تسعينيات القرن الماضي.

وكان العامل الرئيسي لهذا التحول هو الاقتصاد، فقد قادت حرب أفغانستان إلى انهيارات اقتصادية في الاتحاد السوفياتي دفعت قيادته إلى تفكيكه، والقضاء عليه بصورة إرادية رغم قوته العسكرية، ورغم نفوذه السياسي العالمي.

وفي 8 مارس 2022، يعود «ماكدونالدز» نفسه للمشهد مرة أخرى، حيث تقرر الشركة إغلاق 850 فرعا لها بعموم روسيا الاتحادية، في موقف يعكس العجز الأمريكي والغربي عن مواجهة روسيا عسكريا في النزاع الروسي- الأوكراني، فتم اللجوء إلى العقوبات الاقتصادية.

ولكن هذا المشهد بدوره يؤرخ لنهاية العالم أحادي القطبية، والدخول إلى عالم متعدد الأقطاب سوف تصنعه القدرات الاقتصادية.

هذه العلاقة الجدلية بين القدرات الثلاث للدول، الاقتصادية والعسكرية والسياسية، تحددها ظروف الزمان والمكان، ولكن هناك خط ثابت فيها، وهو أن القدرات الاقتصادية عادة تكون هي العنصر الحاسم الذي يحدد مدى فعالية كل من القدرات العسكرية والسياسية، فعلى سبيل المثال لم تمنح القدرات العسكرية الهائلة كوريا الشمالية وضعا يعكس حجم هذه القوة العسكرية، بسبب ضعف القدرات الاقتصادية وتراجعها، ولم تستطع فرنسا رغم نفوذها السياسي الكبير أن تناطح الولايات المتحدة، بسبب الفارق الهائل في القدرات الاقتصادية.

والحقيقة أننا في عالم اليوم نشهد تحولا كبيرا في بنية النظام الدولي، سيقود إلى نهاية حالة القطبية الواحدة، التي استمرت لأكثر من ثلاثين عاما، وذلك بفضل التحولات الكبرى في موازين القوى الاقتصادية في عالم اليوم.

ففي 18 فبراير 2017 وقف سيرجي لافروف، وزير الخارجية الروسي، مخاطبا قادة العالم الغربي في الاجتماع الثالث والخمسين لمؤتمر الأمن العالمي المنعقد في ميونيخ بألمانيا قائلا: «آمل أن القادة الذين يشعرون بتحمل المسؤولية سوف يسعون إلى إنشاء نظام دولي عادل، وهذا النظام العادل لا بد أن يكون نظام ما بعد العالم الغربي».

وهنا سيذكر التاريخ أن خروج مطعم «ماكدونالدز» من روسيا، ومسارعة الدولة الروسية إلى أن يحل محله مطعم روسي يحمل اسما مشابها في الحرف الأول، ولكنه مختلف في اللغة، مطعم «العم فانيا»، الذي دعم تأسيسه مجلس الدوما الروسي -البرلمان الاتحادي للدولة الروسية- إشارة خطيرة إلى خلع زي الأمركة والعولمة ذات النسخة الواحدة، والسير في طريق التميز والاستقلال عن الهيمنة الغربية على العالم.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى