شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

عدالة على الطريقة الفرنسية

يونس جنوحي

 

منتصف نونبر بدأ القضاء الفرنسي في محاكمة طبيب رواندي ووجهت إليه تهمة المشاركة في المجازر التي ارتُكبت سنة 1994، على خلفية قضية ما يعرف بالإبادة الجماعية للتوتسي.

تلوح بعض الأوساط الحقوقية والقضائية في فرنسا بأن العقوبة المنتظر أن تصدر في حق هذا الطبيب، ستصل إلى السجن مدى الحياة، خصوصا وأنه يواجه تهمة الإبادة والتواطؤ في ارتكابها والتواطؤ في جرائم ضد الإنسانية.

ورغم أن «سوستيني مونيمانا»، وهذا اسم الطبيب، ينفي كل الاتهامات التي وُجهت إليه، إلا أن أغلب الروانديين المقيمين في فرنسا يرون في محاكمته انتصارا لآلاف الضحايا، الذين قتلوا بشكل جماعي قبل 29 سنة.

الصحافة الفرنسية تعتبر أن هذه القضية الأقدم من بين كل القضايا التي يتم التحقيق فيها حاليا والمعروضة أمام القضاء الفرنسي. ووسط الأخبار التي تؤكد أن جلسات المحاكمة يتم تصويرها حاليا، من أجل الحفاظ على الأرشيف القضائي، تبرز أخبار أخرى تروج أن فرنسا تحاول طي صفحة ما وقع في بعض الدول الإفريقية من مجازر، سببها المباشر هو التدخل الأجنبي واستعمار تلك الدول، أو الصمت الفرنسي لحظة وقوع تلك التجاوزات.

الضغط الذي تواجهه فرنسا كلما أثير موضوع المجازر المرتكبة في إفريقيا، يزداد من تراكم السنوات التي مضت على هذه الجرائم. ماذا كان يفعل هذا الطبيب في فرنسا طيلة هذه المدة؟

لقد انتقل هذا الطبيب إلى فرنسا منذ 1995، بعد أقل من سنة فقط على تلك المجازر. وإذا كان قد شارك فيها فعلا، فالمخابرات الفرنسية التي تنشط بقوة في الوسط والغرب الإفريقيين، يستحيل ألا تكون على دراية بأنشطته والجرائم التي شارك فيها، منذ اللحظة التي داس فيها حذاؤه أرضية المطار. واستضافته فوق التراب الفرنسي طيلة هذه المدة، تعني أن السلطات الفرنسية كانت تتستر على مجرم خطير ارتكب جرائم ضد الإنسانية، ويشكل خطرا على المجتمع الفرنسي والجالية الإفريقية الموجودة في فرنسا.

قدماء المخابرات الفرنسية ألفوا عددا من الكتب حول الأنشطة الاستخباراتية الفرنسية في أغلب الدول الإفريقية، ويستحيل ألا يتوفر الفرنسيون على لوائح المشاركين في الجرائم وعمليات الإبادة، فكيف مُنحت لهذا الطبيب تأشيرة الدخول إلى فرنسا؟

يتخوف دفاع هذا الطبيب من أن يصبح ضحية الضغط المُتنامي الذي تتعرض له فرنسا في الداخل والخارج، خصوصا بعد وصول «ماكرون» إلى السلطة، بشأن الجرائم المُرتكبة ضد شعوب الدول التي استعمرتها فرنسا سابقا.

هناك اليوم 26 ناجيا من تلك الأحداث، بحسب تقارير الصحافة الفرنسية، ينتظرون أن تتحقق العدالة ويعاد إليهم الاعتبار بمعاقبة المتورطين في المجازر والمذابح التي راح ضحيتها أحباؤهم وأسرهم.

وسبق أن نطق القضاء الفرنسي بأحكام على ستة أشخاص، متهمين سابقا في هذا الملف. وتراوحت الأحكام التي صدرت في حقهم بين السجن لمدة محددة في خمس عشرة سنة والمؤبد. وبعض الأحكام التي صدرت في هذا الإطار، ما زالت حاليا في مرحلة الاستئناف.

هناك من يرى أن فرنسا قد تنجح مؤقتا في خفض أصوات المحتجين على الجرائم التي ارتُكبت في بعض الدول الإفريقية، لكن هل سوف تنجح في مسح ذاكرة آلاف من عانوا، بسبب تدخل فرنسا في الدول الإفريقية لعقود من الزمن؟

ما وقع في إقليم أزواد مثلا سنة 2013، على خلفية التطورات التي عرفتها دولة مالي، حين تدخل الجيش الفرنسي في إطار الحرب على الجماعات الإسلامية، يُسائل فرنسا اليوم بشأن الدوافع الحقيقية لهذا التدخل العسكري. ومن يدري، بعد عقدين من الزمان، قد نرى أسماء أخرى يُساق بها إلى منصات القضاء لعقد مصالحات مع الضحايا، دون أن يُحاكم معها فرنسي واحد.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى