عبود: الصحافة الفرنسية لم تهتم بأفكاري وكانت تركز على «الدم والمذابح»
يونس جنوحي
أخيرا أصبح هشام عبود لاجئا سياسيا في فرنسا. لم يسمع الخبر رسميا في يوليوز 1998، إلا بعد أن عاش أشهرا من الترقب القاسي، بحكم أن مستقبله في فرنسا كان غامضا، واستحال عليه أن يعود إلى الجزائر في ظل أجواء التضييق عليه. وربما، وهذا رأي أصدقائه والمقربين منه، لو لم يغادر صوب فرنسا، لتم اغتياله على يد الجنرالات بكل تأكيد، بحكم أن المشاريع الصحافية التي أشرف عليها كانت دائما تُثير غضب الجنرالات.
يقول هشام عبود إنه بعد الحصول على اللجوء السياسي في فرنسا بصفة رسمية وقانونية، كان يلاحظ أنه لم يكن ممكنا الحديث في الصحافة الفرنسية عن جرائم الجنرالات في الجزائر وعن تجاوزاتهم وكيف تحولوا إلى عصابة تدير البلاد وتسيطر على ثرواتها، وعلى رأسها البترول والغاز. إثارة هذه المواضيع في الصحافة الفرنسية، كما يقول في هذه المذكرات، كانت أمرا مستحيلا.
بالمقابل، كان مسموحا فقط للجزائريين في الصحافة الفرنسية بالحديث عن الجرائم والمذابح.
دماء في كل مكان
كانت الآلة الإعلامية الفرنسية مهتمة بما كان يقع في الجزائر من مذابح، انخفضت حدتها قبل أن تختفي نهائيا في عهد بوتفليقة، منذ 1999 في إطار ما عُرف وقتها بـ«الوئام المدني».
يقول هشام عبود متحدثا عن المشهد الإعلامي في فرنسا بعد حصوله على اللجوء السياسي فوق ترابها: «على المستوى الإعلامي، كانت خيبة الأمل كبيرة. الخطاب الذي كنت أدافع عنه لم يجد أي اهتمام من طرف وسائل الإعلام الفرنسية. لم أكن أهم أحدا».
كانت شجاعة كبيرة من هشام عبود أن يعترف بأن فرنسا، التي قدمت إليه اللجوء السياسي فوق ترابها، لم تكن مهتمة إعلاميا، ليس بقصته شخصيا، وإنما بالأفكار التي حاول نقلها إلى الصحافة الفرنسية بخصوص وضعه باعتبار أنه صحافي تعرض لمضايقات في الجزائر وغادر صوب فرنسا.
لقد كان الإعلام الفرنسي، حسب ما فهم هشام عبود بسرعة، يريد فقط تسليط الضوء على المذابح والمجازر والعمليات الإرهابية التي وقعت في الجزائر، وتقديم البلاد إلى الرأي العام الفرنسي على أنها بلد منفلت يعاني من تسيب أمني وعدم استقرار سياسي. يشرح هشام عبود رؤية الإعلام الفرنسي: «يريدون أن نتكلم عن الدم، والعنف والمجازر، والذهاب دائما في اتجاه هذا النقاش المغلوط: «من قتل من؟». كل محاولاتي للحديث إلى الصحافة الفرنسية كانت غير مُجدية».
يتعلق الأمر، إذن، بخيبة أمل كبيرة أصابت هشام عبود، قبل أن يقرر بالطبع كتابة هذه المذكرات. إذ كان يعتقد أن أفكاره سوف تجد صدى كبيرا في فرنسا، بلد الحريات كما يقال، ويفضح ممارسات الجنرالات ويكشف، من خلال تجربته التي عاشها من داخل المؤسسة العسكرية، كيف أن حفنة من الجنرالات المحظوظين كانوا يقتسمون في ما بينهم صادرات الجزائر من الغاز والبترول.
يشرح هشام عبود، أيضا، كيف أن القنوات التلفزية والصحف الفرنسية اتصلت به في البداية لإجراء لقاءات معه، لكنها عندما اكتشفت أن ما يريد تقديمه للرأي العام الفرنسي لا يتعلق بالتوجه الذي تريده وسائل الإعلام الفرنسية، وهو الحديث عن «الحرب الأهلية والدموية»، كانت تبتعد عنه ولا تعود للاتصال به مرة أخرى لإجراء تلك المقابلات.
هل كان هشام عبود يحس بالعزلة؟ خصوصا في الأشهر الطويلة الأولى التي تلت خبر حصوله رسميا على اللجوء السياسي في فرنسا؟
لا بد وأن معركة إخراج المعطيات التي كانت لديه بشأن فساد الجنرالات وفضح نهبهم للمال العام الجزائري وطريقة صنعهم لرؤساء الجمهورية على المقاس، لم تكن أبدا بدون خسائر وأضرار جانبية.