شوف تشوف

الرأيالرئيسية

عبد الرحيم بوعبيد يموت مرتين..

كأن عبد الرحيم بوعبيد مات مرة أخرى في ليلة رمضانية مباركة.

وفاة نجاة بوزيد، أرملة هذا الزعيم الاتحادي، في ليلة السابع والعشرين من رمضان، أحيت ذكريات كثيرة في صفوف الأسماء المنسية لحزب الاتحاد الاشتراكي، خصوصا وأن رحيلها لا تفصله سوى أيام قليلة عن رحيل رجل اتحادي آخر، صديق بوعبيد الحميم، هو عبد الواحد الراضي.

الذين عرفوا الراحلة نجاة بوزيد أدركوا جيدا أنها لم تكن من النوع الذي يركب على الرصيد الاجتماعي أو السياسي للزوج. فبعد أن صار عبد الرحيم بوعبيد وزيرا للاقتصاد، ودخولها إلى المغرب مع أسرتها من لبنان (إذ كان والدها سكرتيرا بسفارة المغرب في بيروت سنة 1958)، عادت هي إلى المغرب وعاشت فترة الستينيات مع زوجها، بكل تفاصيلها الأليمة، منذ قضية مؤامرة يوليوز التي وُجهت لأعضاء الاتحاد الوطني للقوات الشعبية سنة 1963، واختفاء المهدي بن بركة بعدها بسنتين، وبقيت مشغولة برعاية أبنائها من عبد الرحيم الذي كان مشغولا وقتها بقيادة الحزب بعد اختفاء بن بركة وإسقاط حكومة عبد الله إبراهيم وبقية التفاصيل المتشابكة من صراع المعارضة مع السلطة.

ورغم أن زوجها كان يحظى بتقدير خاص من الملك الراحل الحسن الثاني، وصداقة استثنائية مع الأمير الراحل مولاي عبد الله، إلا أن نجاة بوزيد كانت تقطن في منزل عادي مع والد زوجها وإخوته في حي أگدال بالرباط، وفتحت روضا للأطفال، وكان جل هؤلاء الأطفال من اليتامى وأبناء الأسر المعوزة الذين لم يكونوا يؤدون مقابلا شهريا، واستمرت في تجربة التدريس في روض الأطفال ما بين سنتي 1970 و1978، في وقت كان زوجها أشهر وجه سياسي في المغرب، ويحرص الصحافيون الأجانب، في مقالاتهم وأشرطتهم الوثائقية، على استجوابه.

تنتمي نجاة بوزيد إلى جيل فتح عينيه في حضن الحركة الوطنية. فوالدها وزوج أختها كانا صديقين لعبد الرحيم بوعبيد منذ أيام الاجتماعات السرية في سلا للخروج في المظاهرات الرافضة للحماية الفرنسية.

في منزل زوج أختها، رآها عبد الرحيم لأول مرة سنة 1958، وقرر أن يتزوجها، ولم يمنعه قرار العائلة التي كانت تستعد للتوجه إلى لبنان، بحكم أن زوج أختها عين سفيرا هناك، فيما والدها عين سكرتيرا في السفارة، وأجريت الخطوبة سريعا قبل سفر العائلة، على أساس أن يلتحق بهم عبد الرحيم بوعبيد إلى هناك بعد مغادرة منصبه الحكومي في حكومة أحمد بلافريج، ويُجريا حفل الزفاف، الذي لم يحضره سوى أفراد قلائل من العائلة وبعض الشخصيات السياسية في بيروت.

وعندما اتجه الزوجان الشابان إلى إيطاليا لقضاء شهر العسل، التقيا هناك بالمهدي المنجرة الذي كان بدوره يقضي شهر العسل مع زوجته قرب بُحيرة «جون».

من هناك عادت نجاة بوزيد إلى حي بطانة بمدينة سلا، لكي تبدأ مشوار الحياة الزوجية مع عبد الرحيم بوعبيد في عز أزمة حكومة عبد الله إبراهيم وانطلاق أولى الاعتقالات في صفوف قدماء المقاومة المنتمين إلى الحزب بتهمة التآمر على سلامة ولي العهد، ويبدأ مسلسل الأحداث الشائكة التي عاشتها زوجة قائد الحزب بعد اختفاء المهدي بن بركة في أكتوبر 1965.

خاتم زواجها كان هدية من الملك الراحل محمد الخامس، إذ إن بوعبيد عندما التقى الملك الراحل في سويسرا وأخبره بنيته الزواج، أهداه خاتما وقال له: هذا لزوجتك.

انشغال زوجها بالسياسة والعمل في المحاماة، خصوصا عندما كان يترأس دفاع المتهمين في أحداث مؤامرة مراكش الكبرى سنة 1970، كان يعني أنها مُلزمة بتكريس حياتها للأبناء. وعندما حلت المحاولة الانقلابية الثانية التي استهدفت الطائرة الملكية سنة 1972، مع كل ما راج من تواطؤ الاتحاديين في الموضوع ومساندتهم للانقلابيين، إلا أن نجاة بوزيد، التي قلما تحدثت عن الساعات العصيبة التي عاشتها بسبب اختيارات زوجها السياسية، شهدت أن زوجها كان معهم في منزل في منطقة بنسليمان لقضاء نهاية الأسبوع أثناء التنسيق مع محامين آخرين لبناء ملفات الدفاع في محاكمة مراكش. وعندما كان منهمكا بدراسة الملفات انتبه إلى أصوات الموسيقى العسكرية التي كانت تنبعث من مذياع صغير من المطبخ، فقام وأدخل السيارة إلى بوابة المنزل وأطلق مذياعها الكبير لكي يسمع أخبار الانقلاب العسكري وسط زوجته وأبنائه.

منذ وفاة عبد الرحيم في يناير 1992، ونجاة بوزيد متوارية تماما عن الأنظار. ورغم ما عاشته مع زوجها أيام تلاطم أمواج السياسة، إلا أننا لم نسمع أبدا عن إصدارها بطاقة زيارة تحمل صفة زوجة وزير، كما فعلت بعض زوجات من قطر بهم سقف السياسة وصاروا وزراء ولو في ولاية واحدة فقط.

يونس جنوحي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى