عبد الجبار السحيمي.. وصفة العلاج بالقراءة والكتابة والصيد
عانى عبد الجبار السحيمي من المرض، لكنه ظل يحرص على أن يتعايش مع الألم ويعالجه بالقراءة والكتابة، قال لأحد زواره وهو على فراش المرض، إن المطالعة مسكن للآلام لا يعلمه الأطباء.
في فجر يوم الثلاثاء 24 أبريل 2012، فوجئ المجتمع الصحفي والأوساط الحزبية والأدبية المغربية والعربية، بوفاة أحد أبرز أعلامها عبد الجبار السحيمي، الذي أسلم الروح إلى باريها إثر معاناة مع المرض. وما أن انتشر خبر الوفاة حتى تواردت الاتصالات من داخل وخارج المغرب، وتقاطرت التعازي على عائلة الراحل الصغيرة والكبيرة في هذا المصاب الجلل.
يجمع الصحافيون والأدباء الذين زاروا عبد الجبار السحيمي، على أنه ظل ينصح المشتغلين في مهنة المتاعب، باستحضار قيم الموضوعية والنزاهة والاستقلالية، وكان يجد متعة في الحديث عن صحافة زمان يوم لم يكن للقلم راع رسمي اسمه محرك البحث «كَوكل». قال عبد الجبار لأحد الزملاء إن «العلم» كانت بيتا للأفكار والحساسيات السياسية، وكان الصحافيون كالجنود يرابطون في صفحاتها دفاعا عن قضايا.
قال عبد الكريم غلاب، الأديب والقيادي السابق في حزب الاستقلال، وهو يرسل نظرة وداع أخيرة إلى الراحل، إن عبد الجبار السحيمي «كان رجلا متميزا ولم يكن بإمكانه إلا أن يكون صحافيا، فحياة الموظفين لم تخلق له ولم يخلق لها، رغم أنه مات وفي حلقه غصة من الصحافة، لأنه كان يريد لها المزيد من النمو والازدهار لتكون في أفق تطلعات القراء».
فارق عبد الجبار الحياة عن سن تناهز 74 سنة٬ بعد صراع طويل مع المرض. وتوفي في مسقط رأسه الرباط، بعد أن اعتزل الممارسة في الأيام الأخيرة من حياته، حيث انزوى في منزله بالعاصمة، يستقبل على فترات متباعدة قلة من الزوار بعد أن تدهورت صحته، بل إن الزائر الذي أدخل السرور إلى قلبه، حسب أحد العاملين في مطبعة «الرسالة»، هو نادل سوسي كان يشتغل في مقهى «مبروكة» بالقرب من المقر السابق لجريدة «العالم» وسط العاصمة.
عاش الرجل حياته بين الورق منذ سنة 1981، تاريخ تنصيبه رئيسا لتحرير جريدة «العلم»، إلى غاية رحيله، ولم يغادر «لسان حزب الاستقلال» قط إلى صحيفة أخرى، إذ كان ينصح الصحافيين بتفادي «الترحال الإعلامي».
لم يكن السحيمي يقتصر على تفحص المواد الإخبارية، بل كان يطلق أسماء مستعارة على عدد من الصحافيين الواعدين، كما ساهم في إعداد جيل صحفي مزج بين الأدب والصحافة. وحتى وهو يعاني من تسلل المرض لجسده، كان الرجل يقضي أغلب أوقاته في مقر الجريدة، فالقراءة كانت الهواية الوحيدة التي يتقنها، قبل أن ينصحه أحد زملائه بممارسة هواية صيد الأسماك في شواطئ الرباط وسلا وما جاورهما.
ومن المواقف الحرجة التي مر بها السحيمي، تقاطع مواقفه مع مواقف الحزب، حيث حرص على أن يلغي قاعدة «العلم لسان حزب الاستقلال»، رغم عضويته الدائمة في الحزب، لكنه ظل يمقت العمل السياسي ويرفض الترشح للهيئات القيادية، كما أنه لم يترشح في أية انتخابات.
كانت رائحة الموت تنبعث من كتابات عبد الجبار في آخر أيامه، «أنا لا أحب أن أهرب همومي إلى الأقبية، ولا أن أصادر محنة الوعي بإغراقها في متاهات النسيان المؤقت، وحبات «الفاليوم» المسكنة لندب الروح. فكي طلاسم أسئلتك بشجاعة.. وابحثي عني في مكان آخر».
وأصدر الملك محمد السادس تعليماته بالتكفل بنفقات مراسيم دفن عبد الجبار السحيمي، عميد الصحافة المغربية، كما قرر التكفل بمراسيم العزاء على مدى ثلاثة أيام كاملة، كانت أشبه بملتقى إعلامي غير مسبوق.