يونس جنوحي
الطلبة العائدون من أوكرانيا يطرحون الآن مشكل إدماجهم في التكوين العلمي في حالة ما إن طالت الحرب الروسية. إذ أن الجامعات والمعاهد الأوكرانية سوف تتوقف تلقائيا، خصوصا أننا نتحدث الآن عن أزيد من مليون ونصف مليون لاجئ أوكراني في الدول الأوربية، وهو ما يعني أن أعدادا هائلة من الأوكرانيين مرشحة لمغادرة البلاد
أيضا، سيما أن الزحف الروسي داخل بلادهم لا يزال مستمرا إلى الآن.
هناك قلق كبير لدى العائلات المغربية المعنية بهذه الحرب، وهذا القلق بدأ بالضبط في اللحظات التي عانقوا فيها أبناءهم في صالات الاستقبال عند بوابات المطارات المغربية. إذ أن الفرحة بالرجوع والنجاة من ويلات القصف الروسي فوق رؤوس الأوكرانيين، تلاها مباشرة قلق كبير بشأن مستقبل هؤلاء الأبناء الذين رهنوا حياتهم وحياة عائلاتهم وممتلكاتهم، لكي يذهبوا إلى أوكرانيا للدراسة.
إذا طالت الحرب إلى نهاية الموسم الدراسي، فهذا يعني أن الطلبة المغاربة العائدين ينتظرهم موسم أبيض. أما بالنسبة للطلبة الذين عادوا بأوراق إقامة على وشك أن تصبح منتهية الصلاحية، فهذا يعني تلقائيا أن «الحلم الأوربي» لديهم بات ضبابيا.
هذا دون الحديث عن العائلات التي اضطرت إلى بيع آخر ما تملك لتوفير مصاريف الدراسة خلال هذا الموسم لتفاجأ بهذه التطورات.
هل يمكن أن نرى الطلبة العائدين من أوكرانيا، في حالة طالت الحرب، يتابعون دراستهم في المغرب؟
الجامعات والمعاهد الأوكرانية لم تقدم لحد الآن أي توصيات للطلبة الأجانب لديها، علما أن أوكرانيا واحدة من الدول الرائدة في «السياحة التعليمية» عبر العالم، ومن أقدم الدول التي تعد قبلة للطلبة الأجانب وتضع في برامجها الحكومية السنوية تدابير لاستقبال وإدماج طلبة أجانب في كل التخصصات. إذ أن بعض الدول الأخرى المنشقة من الاتحاد السوفياتي سابقا، تقدم تسهيلات في شروط الالتحاق بكليات الطب والصيدلة وطب الأسنان، والهندسة، لاستقطاب الطلبة حول العالم، حيث يحظى الطلبة الأجانب بالقبول في أوكرانيا حتى لو رفضت معاهد بلادهم إلحاقهم بتلك التخصصات.
لكن مع هذه التطورات الأخيرة، بات وضع الطلبة المغاربة هناك يدعو للقلق فعلا، إذ أننا نتحدث عن تعاقد بين هؤلاء الطلبة ووزارة التعليم الأوكرانية. لكن الحرب لا تؤمن بالتعاقدات، بل إنها تبطل بسبب الحرب التي تدخل في الخانة الحمراء لحالات الطوارئ.
حكى لي مرة أحد قدماء الطلبة المغاربة الأوائل الذين ذهبوا إلى دولة إفريقية للاستفادة من اتفاق بين المغرب وتلك الدولة في مجال تبادل الخبرات في التدريس. وعندما كان هذا الأستاذ المغربي هناك بقصد تدريس الفلسفة، استغل تسهيلات الدراسة الجامعية وتابع دراسته وعاد إلى المغرب حاملا معه دكتوراه في الفلسفة خلال سبعينيات القرن الماضي.
لكنه عندما عاد إلى المغرب اكتشف أن الشهادة التي يحملها ليس مُرحبا بها. وطاف مكاتب المسؤولين بدون نتيجة، ولم يتم إدماجه إلا بمعجزة. بل إنه مرة اضطر إلى زيارة مكتب وزير الثقافة، والذي كان أمينا عاما لحزب مغربي، لكنه قبل أن يطلب من السيد الوزير أن يحل مشكلته، فوجئ بأن الوزير نفسه بدأ يشكو إليه من ضعف ميزانية الوزارة وعدم توفرها في ذلك الوقت حتى على ميزانية لشراء ورق المراسلات. وتأكد له الأمر عندما رأى الوزير يخرج من مكتبه في مقر الوزارة ويتجه صوب شجرة تتوسط حديقة الفيلا ليتوضأ من «المقراج».
هذه الحكاية تلخص معاناة طالب مغربي قبل خمسين سنة، أراد أن يستفيد من الشهادة التي عاد بها من الخارج. تغيرت الأمور كثيرا حاليا، وأصبح هناك ما يصطلح عليه بمعادلة الشهادات. كما أن الطلبة الحاليين الذين يدرسون في أوكرانيا يتابعون تكوينهم في تخصصات تنافس بقوة في سوق الشغل وتسد سنويا خصاص المقاولات في مجال الخدمات. لكن بالنسبة للطلبة الذين لم يُكملوا تكوينهم في أوكرانيا، ماذا سوف يكون مصيرهم؟