عائدات الكرة
لا أحد أصبح ينظر إلى الرياضة على وجه العموم، وكرة القدم على وجه الخصوص، أنها عبء يثقل كاهل الدول ماليا، فكل بلدان المعمور، فقيرها وغنيها، أكثرها وأقل ديمقراطية، صغيرها وكبيرها، تتنافس وتتسابق للتأهل إلى أرقى وأعرق البطولات العالمية. ولا ينفع في ذلك أن تستخرج الشعوب حاسبة لحساب مصاريف المشاركة وأداء مستحقات الرياضيين والمدربين والطاقم المرافق له.
في زمن مضى، كانت كرة القدم، لدى البعض، مجرد مخدر لإلهاء الشعوب عن مشاكلها الحقيقية، وفي أحسن الأحوال لم يكن يتعدى مفعولها أنها لعبة للفرجة لا أقل ولا أكثر. اليوم مثل هاته الأفكار التي يصنعها مؤثرون بثقافة سطحية لم يعد لها أي مكان في زمن تحولت فيه كرة القدم والبطولات العالمية إلى صناعة وتجارة واستثمارات وتسويق وعائدات مادية، وفوق ذلك هي لدى الكثيرين مصدر للسعادة لدى الشعوب والرفع من معنوياتها ومنسوب وطنيتها.
ما وقع أمس من تحول شوارع كل المدن المغربية إلى فضاءات لتعبير آلاف المغاربة عن الفرح والغبطة بفوز فريقنا الوطني، متناسين همومهم ومشكلاتهم وقضاياهم الملحة، لا يمكن أن تحققه السياسة أو الثقافة أو الاقتصاد، فليس هناك من مناسبة تستطيع أن تجمع الملايين ممن يملؤون المدرجات والساحات والمقاهي وأمام الشاشات في البيوت، ويضعون أيديهم على قلوبهم خوفًا من هزيمة أو فرحًا بنصر كبير، مثل ما فعلته مباراة تأهل منتخبنا ليلة الثلاثاء.
وبعيدا عن الشعبوية التي اخترقت الرياضة كما السياسة، فإن تأهل منتخبنا إلى مونديال قطر 2022، كله ربح في ربح. فعلى المستوى المادي فإن مجرد التأهل سيدر على خزينة الجامعة 14 مليار سنتيم، دون احتساب تعويضات اللاعبين واحتمال حصول كل منتخب متأهل إلى دور الـ16 على 12 مليار سنتيم إضافية، في حين تبلغ قيمة جائزة الوصول إلى ربع النهائي 18 مليار سنتيم، وكلها عائدات قد يحقق بعضها منتخبنا الوطني.
أما الكسب الآخر فيتمثل في جلب الفرح والسعادة للوطن والشعب، بعدما أكد أبطالنا رفض الغياب لراية الأحمر والأخضر وللاسم الكبير للمغرب في أكبر محفل رياضي عالمي تتجه له الأنظار كل أربعة أعوام، ويقدم الوطن في أبهى صورة في الإعلام العالمي المرئي والمقروء والمسموع.
أخيرا لا بد من القول إن التأهل لأعرق بطولة عالمية، لن يخفف من المشاكل الجمة التي نحتاج لإعطائها الأولوية من أجل تنمية حقيقية، ولن يعوض مسؤولية الحكومة والبرلمان والمؤسسات في الرفع من نسبة النمو وتقليص معدلات التضخم وتخفيض نسبة البطالة، لكنه انتصار وازن لبلدنا سنفرح من أجله دون أن ننسى كل مشاكلنا.