يونس جنوحي
في الوقت الذي يهدد فيه الجزائريون بقطع الغاز عن إسبانيا، في حال ما قامت بإمداد المغرب بكميات منه، ردت إسبانيا رسميا أن الغاز الذي سوف تمد به المغرب ليس مصدره جزائريا. وهو جواب رسمي من المصالح الحكومية الإسبانية المعنية بتوزيع الغاز.
في أكتوبر الماضي قام الجزائريون بقطع إمداد المغرب بالغاز، بالتخلي عن تصديره إلى إسبانيا من الخط المار عبر التراب المغربي. واختار الجزائريون طريقا آخر، أكثر تكلفة بطبيعة الحال، لإيصال الغاز إلى أوروبا دون المرور عبر المغرب. لكن خبر تزويد إسبانيا للمغرب بالغاز، طرد النوم من عيني الرئيس الجزائري، فخرج الإعلام الرسمي الجزائري مهددا الإسبان. وهي واقعة تنضاف إلى سحب الجزائر لسفيرها في مدريد، احتجاجا على الموقف الإسباني التاريخي الأخير بخصوص الصحراء المغربية، وإعلان إسبانيا دعمها للطرح المغربي وسيادته على الأقاليم الجنوبية.
اختلط الرمل على الجزائريين بالغاز، وهو ما تسبب لهم في قصر المرادية باستحالة للرؤية.
وعلى ذكر «الرؤية»، فإن على الجزائريين الذين لا يريدون للغاز أن يصل إلى المغرب، أن يتذكروا أن المغاربة كانوا يراقبون هلال عيد الفطر بعد اختراع الراديو، ويخبرون الجزائريين بنتيجة المراقبة لكي يتم تعميمها من محطة راديو يسمعها الجزائريون، كانت تبث من الناظور في المغرب.
وكان أيضا كبار الشيوخ المغاربة يستقبلون طلبة العلم القادمين من تلمسان، للتفقه في علم الفلك.
وعندما كان العلماء المغاربة يراقبون الهلال، لم يكن الجزائريون قادرين أبدا على إعلان مواعد رمضان وعيد الفطر وعيد الأضحى، إلا بالرجوع إلى الإدارة الفرنسية التي كانت تتولى تحديد هذه المواعد. لأن الجزائر لم يكن بها نظام حكم واضح، بعد انهيار الدولة العثمانية، لكي ينسق مع الإدارة الفرنسية.
في المغرب كان السلطان محمد بن يوسف يتواصل مع الإقامة العامة، التي لم تكن تنازعه في اختصاص التواصل مع العلماء، في أثناء مراقبة هلال عيد الفطر، بل تكتفي فقط بكتابة التهنئات في الصحف التي تصدر في المغرب. بينما في الجزائر، كان الفقهاء مغلوبين على أمرهم ينتظرون أوامر الإدارة الفرنسية، لكي تقرر موعد العيد، وكانوا في الغالب ينتظرون ما تسفر عنه نتائج مراقبة الهلال في المغرب، لكي يعمموها في الجزائر.
قبل مائة عام، حسب المغاربة الفرق الزمني بين ظهور القمر وبين طلوع الشمس، وهو ما مكن من بداية الحساب الفلكي في المغرب، قبل أن تتعرف دول أخرى على ضوابط مراقبة الهلال.
بل إن علماء مغاربة كتبوا مقالات نشرت في الصحف، خلال أربعينيات القرن الماضي، تحدثوا فيها عن تفاصيل عمل جهاز الأسطرلاب وكيفية استعماله، والطرق الصحيحة لحساب مواقع النجوم، بل وتحديد الوقت الإداري والفرق بينه وبين الوقت المحلي.
وهذه النقطة لوحدها تحتاج إلى شرح مفصل. تخيلوا أن المغاربة القدامى تناولوا موضوع الساعة الإدارية التي أعلنت الإدارة الفرنسية اعتمادها في الرباط سنة 1912، والفرق بينها وبين الساعة المحلية التي يعرفها المغاربة، ويحددون بها مواعد الصلاة. حدث هذا في وقت كانت الإدارة الفرنسية لا تجد في الجزائر أي نظام سياسي أو قبلي، لكي تفاوضه في مسألة تحديد مواعد الصلوات والأعياد الدينية التي تقوم على التقويم الهجري، فكان الحل هو اعتماد ما يراه علماء المغرب.
وعلى الذين يجدون عسرا في تصديق هذه المعطيات، أن يعودوا إلى الأرشيف في باريس، وسوف يجدون حزما من الوثائق التي توثق لمراسلات الإدارة الفرنسية في الرباط مع نظيرتها في الجزائر. وربما لو رُتبت هذه الوثائق في خط طويل، لفاق طولها طول خط الغاز إياه.