شوف تشوف

الرئيسيةرياضةفسحة الصيف

طيار عسكري تحول إلى حكم فيدرالي وانتهى كاتبا عاما للكوكب المراكشي

حكايات قضاة الملاعب :أحمد شوقي جوهري (حكم جامعي)

حسن البصري

طيار عسكري في زي حكم

ولد أحمد شوقي جوهري في حي الزاوية العباسية، نشأ وترعرع في هذا الحي الصوفي العريق الذي أنجب رموز الرياضة والفن والفكر والعلم، وكان مهد فريق العلم المراكشي أحد الفرق المراكشية التي سادت ثم بادت.

كان العلم ممثل الحي في المنافسات الرياضية للصفوة قبل الكوكب المراكشي، وحين نزل إلى القسم الثاني سنة 1985، فقد شهية الكرة وتم حله ليعوضه فريق الجيش الملكي ويدخل حلبة التنافس عوضا عنه.

عاش أحمد جوهري طفولته عاشقا للعلم المراكشي، متابعا لنجومه وعلى رأسهم محمد بن الصالح الذي حمل قميص المنتخب الوطني في بداية عهد الاستقلال، وأحمد كريمبة والعلوي والنجار، وغيرهم من نجوم الكرة المراكشية الأوائل.

حين التحق بالثانوية برز في الألعاب المدرسية كلاعب لكرة اليد، وانضم إلى فتيان نادي «الصام» الذي كان يضم في صفوفه لاعبين مغاربة وأجانب من النخب البورجوازية. تحول أحمد إلى نجم واعد قبل أن يلتحق بالطيران العسكري في قاعدة مراكش، وحين اشتد عوده غير ملامح فريق الصام رفقة المدرب بوعسرية الملقب بـ«بيلار»، وجعل منه فريقا شعبيا بعد أن ظل لعقود فريق النخب المغربية والأجنبية، بعد أن قادا حملة لمغربة هذا الفريق الذي كان يتشكل من أبناء حي كيليز. لكن حكاية هذا الفريق العريق ستنتهي حين زحفت القاعدة العسكرية على ملعبه وأصبح بدون فضاء للعب في مطلع سنة 1971.

اختار «مولاي أحمد» التحكيم لأنه مجال للانضباط، كيف ولا وهو المنتمي للأسرة العسكرية التي تجعل الانضباط سر قوتها، فانخرط في مدرسة التحكيم التي أنشأتها وزارة الشباب والرياضة، وكان أبو بكر بن شقرون وعبد الله السايح من مؤطريها الأوائل، وكان أحمد جوهري من الرعيل الأول لهذه المدرسة إلى جانب سهام وبومديل وبتي أحمد وغيرهما، وفي نهاية كل أسبوع كان يتردد على ملاعب مراكش لمتابعة المباريات، ويروى أنه كان يتابع الكوكب المراكشي بزيه العسكري.

بدأ مشواره التحكيمي من العصبة الجهوية وقاد العديد من مباريات السد الحارقة، وقضى مدة 23 سنة بميادين كرة القدم كحكم يداعب الصفارة، حيث قاد ما يناهز أربعمئة وخمسين مباراة شملت القسمين الوطنيين الأول والثاني والعصب كما خولت له قيادة أربع نهائيات لمباريات السد في تلك الفترة بفضل الخبرة الكبيرة التي اكتسبها ميدانيا وانضباطه المكتسب من العمل العسكري.

 

شهادة رئيس فريق مهزوم في حق الحكم جوهري

قضى أحمد فترة طويلة في عالم التحكيم حكما ومراقبا ثم مكونا، ومازال التاريخ يشهد على المباراة النهائية لكأس العرش التي أشرف على إدارتها في نهاية الموسم الرياضي 1989/1990، إلى جانب الحكم محمد جيد الأب والحكم بلفتوح، والتي جمعت بين الأولمبيك البيضاوي والجيش الملكي وانتهت بفوز الفريق البيضاوي بضربات الترجيح، ليضمن بذلك أول مشاركة خارجية له كانت على مستوى منافسات كأس العرب.

كتب لأحمد أن يقود «ديربي» مراكشيا جمع الكمال بمولودية مراكش، واختير لقيادة مباراة ودية للمنتخب الوطني في مراكش، قبل التوجه إلى المكسيك سنة 1986، وكانت ضد فريق الكوكب المراكشي خسرها منتخب فاريا بهدف دون رد وغاب عنها دوليو الفريق الوطني. وكان باحو يسند له مباريات السد الحارقة، حيث قاد مباراة لازالت راسخة في الأذهان، على غرار مواجهات جمعت فرق اتحاد ابن أحمد واتحاد أزيلال وفتح سيدي بنور وقلعة السراغنة. كما عين لقيادة مباراة في الجزائر إلى جانب الحكمين الشافعي والعباسي، جمعت المنتخبين الجزائري والموريتاني للشباب، وكان حينها بإمكان الحكام الفيدراليين قيادة مواجهات خارجية لهذه الفئة.

ومن أبرز المحطات في مسار حكمنا المراكشي، حضوره ضمن الأطقم التحكيمية التي شاركت في كأس محمد الخامس بمراكش، إلى جانب باحو وأبو القاسم، حيث كان الوداد هو الفريق المغربي الوحيد الذي تمكن من الفوز بهذه الكأس سنة 1979، بعد فوزه في النهاية على فريق كانون ياوندي الكاميروني بضربات الترجيح.

في كثير من المحطات تعرض الحكم المراكشي لاعتداءات من اللاعبين، كما حصل في مباراة بتارودانت حين تعرض للضرب من طرف لاعب هائج بسبب بطاقة حمراء، وفي مباريات السد كادت الأمور أن تعرف انفلاتا خاصة في مواجهة بين اتحاد أزيلال ونهضة الكارة، حيث قام الحكم بطرد ثلاثة لاعبين من أزيلال في ظرف خمس دقائق. كما تكرر مشهد الانفلات في مباراة السد بين «الاتحادين» أزيلال وابن أحمد.

في المقابل هناك مباريات قادها جوهري وتركت انطباعا جيدا عند الفريق المنهزم، «عينت لقيادة مباراة الاتحاد البيضاوي والمولودية، انهزم فيها الفريق البيضاوي، وفي اليوم الموالي توجه رئيس الطاس العربي الزاولي إلى مكتب رئيس لجنة التحكيم العرابي، وقال له لقد انهزم فريقي لكنني أشيد بأداء الحكم جوهري، شهادة الزاولي زكت مكانتي في هرم التحكيم المغربي».

 

فرنسي ضمن طاقم تحكيم مغربي

في سنة 1997 اعتزل جوهري الصفارة بعد مشوار تحكيمي طويل رافق فيه كلا من العرابي وبنمنصور وبنعلي وباحو والركراكي والمدغري ثم العموري. وكان من بين الحكام القلائل الذين قادوا مباريات ضمن ثلاثي في البطولة الوطنية ضم حكما فرنسيا اسمه كوسطا جون كلود، هاجر إلى فرنسا بعد انتهاء مشواره. كانت مراكش تضم خيرة الحكام على غرار مولاي أحمد والرافعي ولمزابي والسويدي والمتمني وبشرى وسهام وأبو القاسم وعبد العزيز وغيرهم من قضاة الملاعب.

تم تكريم «مولاي أحمد» من طرف الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم اعترافا بالخدمات التي أسداها لقطاع التحكيم الوطني، حيث عين مراقبا للحكام لمدة ست سنوات، كما أصبح من مكوني ومؤطري الحكام على الصعيد الوطني إلى جانب العديد من الأطر التحكيمية بمراكش.

في محاولة للنبش في مساره التحكيمي واستدراجه للحكي ونفض الغبار عن ذكرياته مع الصفارة، يكشف أحمد جوهري عن بعض المواقف الطريفة:

«حين عين سعيد بنمنصور رئيسا للجنة التحكيم بالجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، حصل خلل في التعيينات وتعرضت إثره للعقاب، ما حصل هو أنني لم أتوصل بالتعيين لكن أحد الزملاء أخبرني بأنني عينت لقيادة مباراة في الدار البيضاء وتحديدا في ملعب فيليب، سافرت أنا والطاقم إلى الدار البيضاء وحين وصلنا وجدنا طاقم تحكيم آخر، أشعرنا بأننا سنقود مباراة في وادي زم، عوقبت بالتوقيف لمدة مباراتين. وتعرضت للعقوبة مرة أخرى في عهد بنعلي عقب مباراة اتحاد المحمدية والفتح بسبب ضربة جزاء للفتح».

وعلاقة بسعيد بنمنصور، الرئيس الحالي لجمعية رياضة وصداقة، فإن حكمنا أكد أن رئيس لجنة التحكيم اقترح اسمه ضمن ثلاثي تحكيم مغربي لقيادة ديربي العاصمة التونسية، بقيادة الحكم أبو القاسم، «إلا أن أحدهم كذب على سعيد وقال له بأنني لا أتوفر على جواز سفر»، يقول أحمد جوهري.

وفي سياق حديثه عن علاقته باللجان المركزية للتحكيم، أوضح أحمد أنه عانى من تدخلات بعضهم، إذ أشار إلى أن رئيس فريق الرشاد ورئيس اللجنة حاول الضغط عليه لكنه رفض، كما أوضح أن رئيسا للجنة التحكيم ساند فريقا في شمال المملكة من أجل الصعود.

وعن مدى تأثير الشخصيات النافذة في الحكام خلال فترة السبعينيات والثمانينيات، يقول جوهري: «هناك من كان يتهم المديوري بالتدخل لفائدة الكوكب المراكشي في السبعينيات، لقد أقحموا اسمه في مباراة الكوكب واتحاد آسفي سنة 1977، وقالوا إنه ضغط على الجامعة، لكن المديوري لم يصبح رئيسا للكوكب إلا سنة 1984، الذي تدخل في تلك المباراة هو لبدك لفائدة رجاء بني ملال الذي حقق الصعود للقسم الأول وليس مولودية مراكش».

 

استراحة محارب في رحاب الكوكب

بعد ثلاثة عقود من الاشتغال في قطاع التحكيم، ظل الرجل وفيا لفريقه الكوكب المراكشي، مشجعا أول قبل أن يصبح جزءا لا يتجزأ من إدارته، وكانت البداية بدفاعه المستميت عن حق الفريق في مداخيل قارة بعد أن كشف هزالة الموارد التي يوفرها المركز التجاري للفريق. حب الرجل للكوكب دفعه الى أن يؤسس جمعية الآباء بمركز التكوين بنادي الكوكب في باب دكالة، وكان من بين المؤطرين البارزين الذين أشرفوا على رحلات صغار الكوكب الذين كانوا يشاركون في دوريات عالمية.

ساهم أحمد شوقي في انتشال الكوكب من أزمته، وكان عنصرا أساسيا في لجنة الإنقاذ، وأسندت له مهمة كاتب عام للفريق، وعاش مع الفريق المباريات التاريخية حين حرم الكوكب فريق الرجاء من البطولة ومنحها للحسنية، وفي الموسم الموالي حرم الجيش من البطولة، وأعادها للرجاء في مشهد «هيتشكوكي» رهيب، ما يؤكد نزاهة العمل الذي كانت تقوم به إدارة النادي في تلك الفترة، يستحضر هذه المواقف بكثير من الاعتزاز:

«كان فريق الكوكب مثالا للاستقامة والنزاهة، انتزع الفريق اللقب من الرجاء في آخر مباراة في الدار البيضاء ونالته الحسنية رغم أننا لم نكن معنيين بالبطولة فقد لعبنا بروح عالية، نفس المشهد تكرر في الموسم الموالي تعادلنا مع الجيش الملكي في الرباط بعد أن كنا منهزمين بهدفين لصفر، ومنحنا اللقب للرجاء البيضاوي، قاد هذه المباراة الحكم معزوز وغادرنا الملعب تحت عاصفة من الشتائم فقط لأننا قدمنا مباراة نزيهة».

مشوار رياضي حافل وذكريات لأزيد من نصف قرن في رحاب الرياضة، بدءا من كرة اليد وانتهاء بتدبير الشأن الإداري لفريق الكوكب المراكشي، قبل أن يساهم في تأسيس فرع جمعية صداقة ورياضة بمراكش، التي تسعى جاهدة لحفظ الذاكرة الرياضية وصيانة كرامة حاملي مشعلها على مستوى جهة مراكش.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى