طنجة: محمد أبطاش
أطر طبية تحتج وتتهم المديرة الجهوية بالغياب ومرضى يتحدثون عن الإهمال
كان الجميع في طنجة يأمل أن تلتحق المدينة بركب بقية المدن المغربية، التي تعافت كليا من تداعيات جائحة «فيروس» كورونا وعادت إليها الحيوية. غير أنه سرعان ما تحطمت الأحلام، حين بدأ مؤشر الإصابات يعود إلى الارتفاع مثله مثل المنحى المتعلق بالوفيات، ما جعل وزير الصحة يزور المدينة مرتين متتاليتين، وذلك بالتزامن مع حالة من الذهول العام أصابت الجميع حين تم إغلاق أحياء بالمدينة وفرض الحجر الصحي بداخلها، قبل إعادة فتحها مرة أخرى في مشهد مرتبك أثار الكثير من علامات الاستفهام حول الوضع بطنجة..
ما الذي يجري بالضبط بطنجة؟ وكيف أصبح الوضع الصحي بالمدينة كارثيا ما دفع وزير الصحة إلى زيارتها مرتين في أسبوع واحد؟ وكيف أضحى الإهمال سيد الموقف بالنسبة لمرضى «كورونا»؟ وكيف أن حالات حرجة يتم فحصها وإعادتها إلى العزل بالفنادق والغابة الدبلوماسية وعدم الاحتفاظ بها؟
زيارة ثانية لآيت الطالب
في ثاني زيارة له إلى طنجة، في أقل من أسبوع، وصل وزير الصحة خالد آيت الطالب إلى المدينة، صبيحة أول أمس الأربعاء، حيث توجه الوزير إلى مقر مندوبية الصحة لعقد اجتماع مع وفاء أجناو مندوبة الصحة التي تشغل في الآن نفسه منصب المديرة الجهوية للصحة بجهة طنجة. بعض المصادر المطلعة على خبايا هذا اللقاء أكدت أن الوزير طالب بالإسراع بالكشف عن أسباب ارتفاع الوفيات بمستشفى محمد السادس، والاستجابة لانتظارات المهنيين، خصوصا بعدما تحول المستشفى الجهوي محمد الخامس بدوره إلى بؤرة للفيروس، ولا يزال 37 طبيبا وإطارا طبيا يتلقون العلاجات بالغابة الدبلوماسية، حيث يرقد مرضى فيروس «كورونا».
ومباشرة بعد ذلك، توجه الوزير صوب أحد الفنادق المحلية، حيث عقد اجتماعا خاصا مع والي الجهة محمد امهيدية للتباحث حول وضع خريطة طريق لإخراج المدينة من العزلة التي أصبحت تعرفها بسبب انتشار الفيروس.
وحسب المصادر نفسها، فإن آيت الطالب حل بطنجة لجمع معطيات أكثر حول الوضع الصحي بالمدينة، قبل الظهور في الندوة الصحفية للكشف عما يجري بالبوغاز، وطريقة تدبير قطاع الصحة محليا لأزمة «كوفيد19».
30 سريرا في مدينة مليونية
أصبح ملف تدبير قطاع الصحة بمدينة طنجة أقرب إلى الفشل الذريع، بسبب تصاعد المؤشرات التي باتت تدخل الشك والريبة في نفوس المواطنين، حول ما يجري بالبوغاز، بعدما بات رقم الوفيات يقفز يوما بعد يوم، ليصل، حسب آخر المعطيات المتوفرة، إلى 67 حالة وفاة، وأضحت جهة طنجة توصف بـ«مقبرة كوفيد19»، على خلفية الوفيات التي أضحت أمرا مخيفا للجميع.
المعلومات التي استقتها الجريدة من أكثر من مصدر طبي، تؤكد أن الأسرة الطبية على مستوى مستشفى محمد السادس لا تتجاوز 30 سريرا طبيا مجهزا في مدينة مليونية، أضحت مهددة بالانتشار السريع للوباء، فكيف ستكون وضعية هذا المستشفى في حال سجلت أكثر من 100 حالة مستعجلة تحتاج للنقل السريع إلى قسم الإنعاش؟
هذا السؤال يجيب عنه أحد المصادر فضل عدم كشف هويته، مؤكدا أن هذا السيناريو هو الذي أصبح يجعل الأطقم الطبية ترتعش كل ليلة أثناء تسجيل بؤرة محلية ما. ويقول مصدر “الأخبار” إن عملية نقل مرضى الحالات الحرجة صوب هذا القسم تم تدبيرها بالكثير من العشوائية، حيث إن المريض المصاب بالفيروس تتم مراقبته عبر كاميرات المراقبة في بعض الفنادق والمستشفيات المحلية، إذ ما أن تتم ملاحظة تأثيرات الفيروس عليه من خلال هبوط نسبة الأوكسجين والاختناق وصعوبة التنفس، يتم نقله صوب مستشفى محمد السادس لتلقي العلاجات ووضعه بضع ساعات في قسم الإنعاش، وما أن تتحسن حالته، حتى يتم نقله من جديد صوب مكان إقامته، وهو أمر في غاية الخطورة، يضيف مصدر الجريدة، حيث إن المريض مسجل ضمن الحالات الخطيرة التي تستوجب رعايتها تحت حراسة أطقم طبية على مدار الساعة والأسبوع، وهو ما يؤكد أن هذا السيناريو ساهم بشكل كبير في ارتفاع الوفيات، يقول المصدر، مضيفا أن هذا المعطى تبحث لجنة خاصة موفدة من وزارة الصحة في علاقته بما يجري، كما أن الفئات الشابة أكثر عرضة للخطر، بحيث يكون المسنون الطاعنون في السن غالبا تحت العناية المركزة، وما أن تشتد الحالة الصحية لأحد الشبان حتى يجد نفسه في مواجهة الموت، بفعل نقص الأسرة من جهة، وما يتداول من جهة ثانية من أن الفيروس له تأثير كبير على المسنين فقط، وهو أمر لطالما تسبب في تأخير العلاجات الضرورية للشبان.
بين الإنعاش والغابة
استفحل ارتفاع نسبة الإماتة أخيرا بشكل غريب مباشرة بعد تخصيص الغابة الدبلوماسية كمستشفى ميداني لنقل المصابين بالفيروس صوبها، إذ إن المسافة بين الغابة وقسم الإنعاش، حيث يتم تحويل المرضى الذين تكون حالتهم حرجة إليه، تصل إلى 21 دقيقة بالنسبة للسيارة العادية أي 14 كيلومترا، أما سيارة الإسعاف فيمكن أن تقطعها في أقل من 5 دقائق وهو وقت ثمين بالنسبة لمرضى «كوفيد 19»، بدون إضافة عوامل أخرى للتأخر، من قبيل كون الطريق بين هاتين النقطتين يصعب السير فيه بشكل عادي، نظرا للضغط الذي يعرفه هذا الشريان الوحيد لكونه طريق طنجة باتجاه العاصمة الرباط.
ولمزيد من الحيثيات المرتبطة بهذه الواقعة، يقول حمزة العشيري، وهو شاب في العشرينيات من عمره، في اتصال مع «الأخبار»، إن والده أصيب أخيرا بفيروس «كورونا» المستجد، وهو رجل طاعن في السن، ويعاني من أمراض مزمنة ومنها مرض القلب. ويضيف العشيري أن والده أصيب بالفيروس بشكل غريب، قبل أن تجد الأسرة نفسها في حالة الصدمة، خصوصا وأن الطريقة التي اكتشف بها الفيروس مثيرة، حيث إن والده كان يعاني من سعال شديد وحمى، ليتم نقله صوب إحدى المصحات الخاصة، ومباشرة بعدها تم توجيهه إلى مستعجلات مستشفى محمد السادس في وقت متأخر من الليل، ورغم أن الرجل حامل للفيروس إلا أن طاقم الاستقبال بهذا القسم طلب منهم معاودة الإتيان بالمريض في اليوم الموالي، لإجراء التحليلات المخبرية والتأكد من خلوهم من الفيروس، وبعد احتجاج الأسرة على هذا الوضع تم إجراء التحليلات ومطالبتهم بالعودة بعد 48 ساعة، إلا أن المختبر سيعلن بعدها أن حالة المريض إيجابية، ليحل فريق الإسعاف بمنزله حيث تم نقله إلى الغابة مباشرة.
ويحكي العشيري أن والده يتصل بهم انطلاقا من الغابة ويشكو من التعامل معه وأن حالته ازدادت سوءا، خصوصا وأنه يعاني من أمراض مزمنة، حيث كان من الأجدر وضعه تحت العناية المركزة بقسم الإنعاش، كما يؤكد المريض أنه حين يطلب نقله للمستشفى، يتم تنبيهه إلى ضرورة التريث إلى حين خلو أحد الأسرة الطبية.
لجنة سرية وضياع ميزانيات
خلال يونيو الماضي، حلت لجنة سرية وصفت بالعلمية بقسم الإنعاش بمستشفى محمد السادس، حيث قامت بأخذ عينات من دم المرضى وكذا تحليلاتهم المخبرية، كما زارت مستشفيي «دوق دي طوفار» ومحمد الخامس، لنفس الغرض وسط سرية تامة، حيث لم تكشف هذه اللجنة عن هدفها من أخذ هذه العينات سوى بعد تسجيل تشنج بينها وبين الأطر الطبية، لكونها بحاجة إلى أخذ الإذن منها ومشاركتها في هذا العمل العلمي، حتى لا تضيع مجهودات الجميع سدى، تقول مصادر “الأخبار”، غير أن نتائج هذا التحقيق أضحت في سرية تامة وتعتيم شديد، تضيف المصادر ذاتها.
هذه اللجنة التي كلفت ميزانية وزارة الصحة أموالا طائلة، سيتم إلغاؤها مباشرة بعد إعادة تعيين لجنة جديدة تضم عددا من الخبراء لبحث أسباب ارتفاع الوفيات، وهو ما وصفته بعض المصادر بالعبث، متسائلة كيف يعقل أن يتم إلغاء نتائج لجنة وتعيين أخرى؟ مما يستوجب ضرورة المحاسبة في حال فشلها في الكشف عن ما يجري بعاصمة البوغاز.
مديرة جهوية وأطقم تشكو
هل أصبحت مرحلة تدبير المديرة الجهوية للصحة وفاء أجناو، لأزمة «كوفيد 19»، الأكثر فشلا على المستوى الوطني؟ هذا السؤال توجهت به “الأخبار” إلى عدد من الأطقم الطبية بمدينة طنجة، وقد اعترف الجميع بأن هناك بالفعل ضعفا في تدبير الأزمة، وهو السؤال نفسه، الذي حملته الجريدة للمسؤولة المذكورة، غير أنها ترفض الرد على اتصالات «الأخبار»، وهي المسؤولة التي توصف أيضا محليا بالغائبة عن المشهد التواصلي، لحساسيتها المفرطة تجاه الصحافة.
من جانبها، أكدت مصادر طبية أنه لا يعقل أن المديرة الجهوية لم تخرج حتى ببلاغ تطميني حول صحة الأطر المصابة بكورونا، والتي بلغ عددها 37 إطارا طبيا، منهم أطباء اختصاصيون وممرضون وتقنيون، وسائقو سيارات الإسعاف وحراس أمن خاص. ولهذا السبب قرر تنسيق نقابي مكون من خمس نقابات رفع ما يشبه «الراية البيضاء»، وكانت هذه النقابات قررت الاحتجاج الأسبوع الجاري، قبل أن يتدخل والي الجهة للجلوس معها على طاولة الحوار، لكن «رغم نهج التنسيق لمنطق الحوار لحل المشاكل ومعالجة الاختلالات التي يعرفها القطاع بالإقليم والتي تتفاقم آثارها السلبية يوما بعد يوم، حتى أصبحنا أمام بؤرة مهنية صحية وإنهاك غير مسبوق للأطقم وتراكم الإخفاقات، مما دفع التنسيق النقابي من باب تحمل المسؤولية التاريخية تجاه الشغيلة والقطاع، إلى طلب لقاء مستعجل مع المندوبة الإقليمية والتي تشغل في الآن نفسه منصب المديرة الجهوية لإصلاح وترميم ما يمكن ترميمه».
وفي سياق هذا الموضوع، قالت مصادر طبية فضلت عدم الكشف عن هويتها، في حديثها مع «الأخبار»، إنه يتبين بالملموس ومما لاشك فيه أن مستشفى محمد السادس أصبح النقطة السوداء في تدبير الوضعية الصحية لمرضى «كوفيد19» بطنجة، فعلى سبيل المثال فقد سجلت به أرقام قياسية محليا ووطنيا من حيث عدد الوفيات للمرضى منذ ظهور المرض، ففي الوقت الذي لم تسجل أية وفيات تذكر في مستشفيات القرطبي ودوق دي طوفار ومحمد الخامس، فقد شكل مستشفى محمد السادس كابوسا للمرضى، وخلف هذا الاستثناء لغزًا محيرًا للأطر الصحية والسلطات بمدينة طنجة، وهناك الكثير من التكهنات التي تؤكد وجود سوء تدبير وتسيير القطاع محليا، ناهيك عن الإرهاق الكبير الذي أصاب الأطر الصحية بهذه المؤسسة الصحية، في حين تم منح عطل لأطر أخرى من طرف مدير المستشفى رغم الحاجة الملحة لهم وهو ما تم تسجيله حيث إن هناك غرفتين للإنعاش بالمستشفى المذكور لم تشتغلا بسبب نقص الأطر الطبية، في الوقت الذي ينتظر فيه المرضى فرصتهم من أجل العلاج. وهناك الآن مساع تجري للتفكير بالاستعانة بأطر صحية من خارج من مدينة طنجة، لدعم مستشفى محمد السادس، ومن شأن هذا التوجه أن يخفض من منحنى الوفيات بهذا المستشفى.