«طاكسيات» تطوان.. فوضى عارمة وزيادات عشوائية تلهب جيوب المواطنين
تطوان: حسن الخضراوي
يعيش قطاع الطاكسيات من الحجم الكبير بتطوان ومدن عمالة المضيق الفنيدق فوضى عارمة، وزيادات صاروخية أعلنتها النقابات دون أي سند قانوني، وفي غياب شبه تام للمراقبة الضرورية من طرف السلطات المسؤولة التي تكتفي أحيانا بتسجيل مخالفات عند تقديم المواطنين لشكايات في الموضوع، وأحيانا أخرى تتم تسوية الأمور كحل ترقيعي في انتظار معالجة المشاكل المستعصية وتنزيل القوانين الجاري بها العمل.
ضعف مراقبة حكومة بنكيران للقطاعات وتسويقها أن الزيادات المتتالية في أسعار المحروقات والمواد الأساسية والضرورية لن تمس المواطن المستضعف والمقهور، يكذبه تحقيق أجرته «الأخبار» للاضطلاع على سير بعض القطاعات الحساسة كقطاع الطاكسيات بتطوان والمدن المجاورة الذي يستعمله عدد كبير من المواطنين بشكل يومي، خاصة من وإلى سبتة المحتلة، وسط معاناة قاسية مع الزيادات العشوائية والصاروخية في ثمن الرحلات، مع ما يرافق ذلك من تشنجات بين السائقين والركاب يصل بعضها إلى أقسام الشرطة، دون أن تتدخل الجهات المسؤولة سواء على مستوى الحكومة أو ممثلي السكان من أجل تنزيل القوانين وحماية المستهلك.
بعد تلقيها لسيل من مكالمات المواطنين الذين عبروا عن تذمرهم واستيائهم من الفوضى التي يعرفها قطاع الطاكسيات من الحجم الكبير بتطوان وعمالة المضيق الفنيدق، دون تدخل الجهات المعنية لمعالجة المشاكل وإنهاء معاناة المواطنين، انتقلت «الأخبار» للوقوف بشكل ملموس على الموضوع ونقل معاناة المواطن بشكل يومي مع القطاع.
جولة استطلاعية
كانت البداية من الفنيدق نحو تطوان، حيث تم استخلاص 17 درهما للفرد عوض 15 درهما سابقا دون أن يحتج أي مواطن على ذلك، ومبرر المهنيين في الزيادة هو أن الطاكسي نادر الوجود من الأصل بسبب صراع النقابات، فضلا عن وجود عدد كبير من الركاب ينتظرون السفر ومستعدون لدفع 20 درهما للرحلة، بعدها مباشرة تم تسليم السائق ورقة ليدلي بها لدى حاجز تضعه النقابات المسؤولة على الطريق يشبه الحواجز الأمنية للتفتيش، ما يطرح أكثر من سؤال حول مدى قانونيتها، وقد حدثنا السائق أن الحاجز يتأكد من خروج السائق من المحطة واستخلاصه ثمن الرحلة المتعارف عليه من طرف النقابات كي لا يقوم أحدهم بطريقة أو أخرى على تخفيض الثمن.
وصلنا تطوان في حدود الساعة الثانية بعد الزوال وعرفت الرحلة نقاشا حادا بين السائق والركاب حول الزيادة المفاجئة ومدى قانونيتها، حيث ظل يشرح مرة ويهاجم مرات أخرى منتقديه من الركاب طالبا منهم توجيه سهام النقد إلى الحكومة التي تزيد في أسعار المحروقات وتصرح أن ذلك لن يمس القدرة الشرائية للمواطن.
عند عودتنا في اتجاه الفنيدق، اسقللنا سيارة أجرة كبيرة من محطة تسمى «ايسو» بتطوان وهناك طلب السائق مرة أخرى 17 درهما ثمن الرحلة، إلا أن طاقم الجريدة وفي محاولة منه لكشف مدى قانونية الزيادة رفض دفع المبلغ طالبا من السائق التوجه نحو مكتب الطاكسي، حيث توجد السلطات الأمنية لفتح تحقيق في الموضوع.
وبعد إصرارنا استجاب السائق لطلبنا وتوجه إلى المكتب الموجود بالقرب من المحطة الطرقية، حيث تم الاستماع إلينا رفقة السائق في محضر رسمي قبل أن تعمل السلطات الأمنية على نزع رخصة الثقة الخاصة به في انتظار ما سيقرره المسؤولون في الملف.
بعد ذلك، علمنا من مصادر مطلعة، أن السائق أشعر ممثلي نقابة الاتحاد الوطني للشغل التي ينتمي إليها والمقربة من العدالة والتنمية، فطلبوا منه التريث من أجل التدخل في الموضوع لاستعادة رخصة الثقة الخاصة به، قبل أن ترفض السلطات الأمنية تسليمها إلى السائق، وتصر على إرسال المحضر إلى السلطات المحلية لعرضه على اللجنة التأديبية في العمالة من أجل اتخاذ الإجراءات القانونية. ما يحيل على أن الزيادات عشوائية أقرتها النقابات كقانون عرفي لا سند له.
نقابات بوجهين
عبر العديد من سائقي سيارات الأجرة الكبيرة بتطوان والمدن المجاورة عن تذمرهم واستيائهم من صراع النقابات السلبي ذي الخلفية السياسية، وتنصلها من الدعم الضروري للسائقين عند تسجيل شكايات رسمية في حقهم من طرف بعض المواطنين، بسبب الزيادات التي تقرها ويتم العمل بها خارج القوانين، مطالبين بضرورة صدور تعرفة رسمية للعمل بها ويتم اعتمادها بواسطة لجنة خاصة تشرك جميع المعنيين دون إقصاء أو تهميش، لدراسة واقع القطاع انطلاقا من الزيادات التي عرفتها المحروقات والمواد الأساسية خلال تولي بنكيران مسؤولية الولاية الحكومية الحالية.
وقال سائق طاكسي من الحجم الكبير نقطة انطلاقه من تطوان وهو نفسه الذي وضعت ضده شكاية حول الزيادة في الأسعار قبل توقيع تنازل عن المتابعة خلال مباشرة التحقيق في الموضوع، إن ممثلي نقابة الاتحاد الوطني المقربة من العدالة والتنمية يتعاملون بوجهين، حسب وصفه، وقد أخبروا السائقين المنتمين إليهم أن الزيادة شيء طبيعي في ظل رفع الحكومة لأسعار المحروقات، لكنهم يتنصلون من المسؤولية فور تسجيل أي مواطن لشكاية رسمية في الموضوع، مشددا على أنه زار مكتب النقابة والتقى ممثلين عنها طالبا دعمه لاسترجاع رخصة ثقته، قبل أن تنشب خلافات حادة بينهم ويقرر مغادرة النقابة نهائيا.
من جهته، قال مسؤول بنقابة الاتحاد الوطني للشغل إن النقابة لا تدعم السائقين الخارجين عن القانون، وأنه لم يسبق لها التصريح أنها تدعم الزيادات أو تقرها لأن ذلك خارج مسؤوليتها. وعند مواجهته بحالة السائق المذكور نفى المتحدث معرفته برقم سيارة الأجرة المعنية أو السائق من الأصل، منبها إلى أن الانتماء يتطلب شروطا معينة، ومشددا على أن اللوحة التي تحمل 17 درهما والمعلقة بالمحطة الرئيسية لا تتضمن أي توقيع لجهة معينة، وبالتالي لا يمكن تحميل المسؤولية فيها لأحد، في انتظار ما ستقرره السلطات المسؤولة.
من جهته، قال أحد المهتمين إن الاتحاد الوطني للشغل الذي يمثل الذراع النقابية للعدالة والتنمية، يعيش مفارقة عصية على الفهم من خلال دعمه لما تتحدث عنه الحكومة من إصلاحات تنعكس بشكل سلبي على القدرة الشرائية للمواطن المقهور، وتصريحه أنه ضد الزيادات التي تمس قطاعات حساسة مع أنها تحصيل حاصل لسياسات الحكومة.
غياب المراقبة
عبر العديد من المواطنين عن تذمرهم واستيائهم من إهمال الحكومة لمراقبة العديد من القطاعات الحساسة مثل قطاع سيارات الأجرة بتطوان والمدن المجاورة الذي يستعمله المواطن بشكل يومي، ومساهمتها في خلق الفوضى وسيادة منطق اللاقانون من خلال الزيادة في المحروقات والتصريح بعدم تأثير ذلك على الأسعار والقدرة الشرائية للمستضعفين، ما يتسبب في خلق صدامات ومشاحنات مجانية بين المهنيين والمواطنين، ويؤسس لمنطق الفوضى والعشوائية في تدبير القطاعات عوض سيادة القانون.
وطالب المواطنون المصالح المسؤولة ووالي جهة طنجة تطوان الحسيمة، فضلا عن رئيس الجهة بضرورة التحرك من أجل حل المشاكل والفوضى التي يعرفها قطاع الطاكسيات بشكل مستعجل، منبهين إلى أن العمل من خلال محطة واحدة بكل مدينة مكلف جدا، وقد يتجاوز ثمن رحلة من تطوان إلى الفنيدق 40 درهما يتحملها المواطن المقهور، بإضافة ثمن سيارة الأجرة الصغيرة التي توصله من الحي الذي يسكنه إلى المحطة الوحيدة.
واستنكر عضو من لجنة متابعة الشأن العام المحلي بتطوان، صمت ممثلي السكان وعلى رأسهم مجلس الجماعة الذي يترأسه محمد إدعمار عن العدالة والتنمية، الذي سبق أن قدم وعودا إلى السكان من أجل تحمل المسؤولية التامة في كل المشاكل التي يعانونها والعمل على حلها بأسرع وقت ممكن في إطار القوانين الجاري بها العمل.
وحذر المتحدث ذاته، من استمرار فوضى القطاع والمشاكل التي يعرفها حتى دخول موسم الصيف الذي يعرف توافد عدد كبير من زوار الشمال، وضرورة الحفاظ على السير العادي لجميع القطاعات الحساسة خاصة قطاع النقل الذي يستعمله آلاف الزوار للتنقل بين المدن.
صرخة سائق
قال سائق سيارة أجرة وهو شاب ثلاثيني حاصل على الإجازة إن المشاكل التي يعيشها القطاع سببها حكومة بنكيران ولا أحد غيرها، منبها إلى أن الزيادة في أسعار المحروقات مست بشكل مباشر مدخول السائق واقتطعت منه ما يقارب 30 درهما يوميا، وهي الحلقة الأضعف التي استطاعت الحكومة القفز عليها لتخبر المواطنين بأن لا تغيير في أسعار النقل، وأن على كل متضرر اللجوء الى تسجيل شكاية في الموضوع، رغم أنها تعلم أن الزيادة على المواطن أمر ضروري
وواقعي لا مفر منه.
وأضاف المتحدث نفسه، أنه كان على الحكومة العمل على إعادة هيكلة القطاع من خلال إجراءات تتسم بالجرأة والفعالية، وتخص إعادة النظر في بعض المأذونيات التي حصل عليها البعض في ظروف غامضة، حيث اكتفت الحكومة في الملف بالتهديد بنشر لوائح المستفيدين منها دون طائل، فضلا عن محاربة «اللوبيات» التي تتحكم في القطاع وتفرض الأمر الواقع على المهنيين بتهميشهم وهضم حقوقهم.
وعبر السائق الشاب عن استيائه وتذمره من صراع النقابات الفارغ وتطاحنها السياسي، عوض الركون إلى الوقوف بجانب السائق المهني من أجل حصوله على حقوقه التي يكفلها القانون من مثل الضمان الاجتماعي إلى غير ذلك، منبها إلى أنه لا يعقل أن يعمل السائق لسنين بالقطاع ليتم رميه في الأخير، ليعتمد على زملائه في جمع التبرعات.
وطالب المتحدث نفسه، حكومة بنكيران بالوضوح مع المواطن عوض الركون إلى المراوغات، لأن الزيادة في المحروقات التي تتحدث الوزارة المسؤولة عن أن لا تأثير لها، تمس السائق في خبزه اليومي، وهو الذي بالكاد يوفر المصاريف الضرورية بعد عمل شاق خارج أي مراقبة ووسط فوضى عارمة، سببها الاحتكاك المباشر بالمواطن الذي يطالب بعدم رفع التسعيرة بناء على تصريحات المسؤولين في الحكومة، ظنا منه أن المشكل في السائق والقطاع، وهذا بالضبط ما يريده وزراء حكومة بنكيران من خلال اتخاذ القرارات التي تمس القدرة الشرائية للمواطن المقهور ورمي كرة اللهب في ملعب القطاع المسؤول لتدبير الأزمة.