يونس جنوحي
لا يزال موضوع «بق الفراش» يُسيطر على النقاش العام داخل الإعلام الفرنسي رغم بعض الدعوات التي دعت إلى عدم «إعطاء الموضوع أكبر من حجمه».
أغلب الفرنسيين اليوم يذهبون إلى حد التشكيك في منظومتهم الصحية ويدعون إلى إعادة النظر في تعيينات بعض مسؤولي وزارة الصحة الفرنسية، خصوصا بعد ارتباك الوزارة في احتواء كارثتين حتى الآن، وباء «كورونا» و«بق الفراش».
لكن بعض الأصوات تقول إنه من المُجحف تصنيف بق الفراش في خانة الأوبئة، وإنما يتوجب تصنيفه في خانة «الكوارث».
وهكذا، بدل أن ينصب النقاش حول صورة البلد وقدرة مسؤوليه على مواجهة كل ما يهدد السلامة العامة لمواطنيهم، ذهب النقاش في اتجاه تصنيف الواقعة إما كارثة من الآفات أو «مرضا» قد يؤثر على الصحة العامة.
ما يهم الفرنسيين، المعني الأول بالموضوع، هو قدرتهم على الذهاب إلى فراشهم ليلا. فقد سُجلت حالات كثيرة جدا لمواطنين لم يعودوا قادرين على دخول منازلهم بسبب سيطرة بق الفراش على كل الأثاث، ولعل ما يهم هؤلاء، إيجاد مكان آمن يذهبون إليه ليلا مع أبنائهم، بدل متابعة النقاش العام للبلاد.
المعارضة الفرنسية تقطر الشمع على وزارة الصحة وعلى مسؤولي البلديات وتتهمهم بالتقصير في مواجهة انتشار هذا البق.
لكن النقاش الحقيقي الذي يجب فعلا أن يُفتح في فرنسا، هو قدرة رئيسها وحكومته على تدبير شؤون الفرنسيين وحماية ممتلكاتهم.
هذا العام، بالإضافة إلى كارثة بق الفراش، عاش الفرنسيون كارثتين أخريين تتعلقان بالمظاهرات التي واكبت تعديل قانون التقاعد، ثم المظاهرات التي جاءت بعد حادث مقتل الشاب من أصول جزائرية، والتي أدخلت البلاد في مواجهات عِرقية واتهامات للشرطة الفرنسية بالتحيز والعنصرية.
كل هذه المؤشرات تفيد بأن الفرنسيين لديهم مشاكل أكبر من سعر برميل النفط أو التضخم. مشكل الفرنسيين الأول مع قصر الإليزيه وسياسة الحكومة الفرنسية.
حتى في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، فقد أكدت فرنسا للعالم أنها لا تزال تحافظ على اختياراتها الاستعمارية التي لم تعد مناسبة للقرن الحالي. وبدل أن تدعم الحلول الإقليمية المبنية على التوازنات الحالية، فإنها لا تزال تدعم التوجه المضاد لإرادة الشعوب المعنية بالأحداث، تماما مثل ما وقع في مالي والانقلابات الأخيرة التي عرفتها إفريقيا.
حتى الرعايا الفرنسيون في بعض الدول الإفريقية، بات عليهم أن يغادروا صوب بلادهم أو في اتجاه أماكن أخرى في العالم لا تتقاطع فيها دوائر رئيسهم مع دوائر حكومات أخرى.
صوت العقل في فرنسا يقول إن «ماكرون» يتوجب عليه الرحيل عن قصر الإليزيه، ويترك المنصب لوجه سياسي يملؤه. لأول مرة في تاريخ فرنسا، يتسبب رئيس قادم من وزارة المالية ثم مجال الأبناك، رغم أنه درس في معهد الدراسات السياسية في باريس، في أضرار جسيمة لتماسك المكونات السياسية للبلاد، سواء من اليمين أو الاشتراكيين.
مرحلة «ماكرون» لا بد أن تصبح بعد رحيله وموته سياسيا، مادة للدراسة العلمية وسوف تصدر عنها أطروحات في العلوم السياسية، عن عواقب تسليم إدارة البلاد لشخص قضى معظم تجاربه المهنية في تسفيه السياسيين والتقليل من شأنهم، إلى أن أصبح يوما رئيسا للجمهورية.
وحدنا في المغرب نتوفر على عشرات الأمثلة التي يوظف فيها البق، وكأننا نعلم مسبقا في ثقافتنا أن فرنسا سوف يُسلط عليها الله رئيسا «يطيح» البق على البلاد كلها، وليس على السياسة فقط.