حسن البصري
قال العلامة الجزائري عبد الحميد بن باديس لابنه ذات يوم: «اعلم يا بني أن للرجولة ضريبة». مرت الأيام وتبين أن الشهامة في ملاعب جارتنا الشرقية لها ضريبة.
بدأت أولى خيوط الحكاية قبل مباراة اتحاد العاصمة الجزائري والفتح الرياضي، لحساب إياب الدور التمهيدي الثاني لمنافسات كأس الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، تقرر إجراء المباراة في وهران، بسبب أشغال صيانة عشب ملعب «نيلسون مانديلا»، الذي قال فيه حفيد المناضل الجنوب إفريقي ما لم يقله نزار قباني في وصف المرأة.
اضطرت بعثة الفتح الرياضي إلى قطع آلاف الكيلومترات لإجراء هذه المباراة، من الدار البيضاء إلى تونس ومن تونس إلى الجزائر العاصمة ومنها إلى وهران، التي لا تبعد عن المغرب إلا بكيلومترات قليلة.
رفض أحد مسؤولي الفريق الجزائري استقبال الفتح في عنابة، التي تبعد عن تونس بكيلومترات قليلة، وأصر على الحكم بالأشغال الشاقة على بعثة الفتح المغربي الذي تحمل عناء السفر، وخاض مباراة بطولية انتهت بالتعادل بفعل فاعل تونسي، فأقصي بشرف من المنافسات.
عند نهاية المباراة تبادل لاعب جزائري وآخر مغربي القميصين تكريسا لقيم الروح الرياضية، قبل أن يقوم لاعبون آخرون بإحياء هذا التقليد الكروي القديم الذي كان عنوانا للروح الرياضية، قبل أن يختفي من مشهدنا الكروي.
انتابت المسؤول الجزائري نوبة غضب وهو يرى بأم عينيه، كيف استطاعت الكرة تذويب خلاف سياسي قديم، فأصدر قرارا بتغريم كل لاعب جزائري تبادل قميص الفريق مع لاعب مغربي، وحدد القيمة المالية للغرامة في مبلغ مائة أورو.
انتفض عبد الحق بنشيخة، مدرب اتحاد العاصمة الجزائري، في وجه المسؤول الذي أجهض نسمة وئام تسلل إلى غرفة الملابس، وعبر عن استعداده لأداء ثمن كل القمصان، وقال بنبرة غاضبة: «لا تعدموا الروح الرياضية بين الأشقاء»، ثم انصرف.
اعتبر المسؤول الجزائري تبادل القمصان بين اللاعبين خيانة، وصنف موقف المدرب الجزائري في خانة «الخطأ المهني»، فزاد الاحتقان بين المدرب وإدارة النادي إلى أن وصل حد التلويح بالطلاق.
ولأن لكل مسير فريق صفحات فايسبوكية تحميه وتطلق نيرانها بإشارة منه، فقد أصبح عبد الحق في مرمى قذائف المحبين الافتراضيين ومرتزقة منصات التواصل الاجتماعي، ما دفعه إلى إشهار استقالته من تدريب فريق حقق معه في ظرف زمني قصير لقبين إفريقيين: كأس الكونفدرالية وكأس السوبر القاري.
ولأن المدرب الجزائري كشف عن شهامة المغاربة وقال للصحافيين إنه قضى عشر سنوات مدربا في أكبر الفرق المغربية، وظل يعامل كمواطن مغربي كامل الحقوق، وما أن أنهى حصة الاعتراف بأخلاق المغاربة حتى كانت تهمة الخيانة جاهزة تنتظر تكييفها إلى جريمة.
حين هدد عبد الحق بالكشف عن فضائح أحد المسيرين، خرجت إدارة اتحاد الجزائر عن صمتها، في ما يخص استقالة المدرب، وقالت إنها مرفوضة، وشرعت سرا في مفاوضة مدرب آخر.
إلى هذا الحد انخرطت الكرة الجزائرية في مسلسل الضغينة والعداء، وتحول عرف تبادل القمصان من فعل يجسد قيم الرياضة، إلى فعل ماض ناقص.
في الجزائر فقط يمكن أن تتبادل الأسرى والمطلوبين للعدالة، لكن لا يحق لك تبادل القمصان إلا بترخيص من القيادة العسكرية.
بالأمس أطلقت الصحافة الجزائرية على المدرب بنشيخة لقب «الجنرال»، وبين عشية وضحاها تعرض للسب وأصبح «جنديا احتياطيا» خائنا للوطن. في الجزائر فقط تمت تنحية عشرة مدربين في شهر واحد.
في لحظة غضب يحصل الطلاق في الكرة بالتراضي وبالتغاضي وبالتمادي، لأن المدرب هو الحائط القصير الذي يقدمه الرئيس قربانا للجمهور عقب كل هزيمة. ألسنا اليوم في حاجة ماسة إلى مدونة المدربين، لأن الطلاق يهدد استقرار أسرة الكرة أيضا؟