شوف تشوف

الرأي

ضرورات تجديد الخطاب الفلسطيني

نواف التميمي

انتخابات أمريكية أخرى، ورئيس جديد في البيت الأبيض، والخطاب الفلسطيني القديم على حاله، لا يتجدد ولا يتغير. تداول البيت البيضاوي في واشنطن، منذ مؤتمر مدريد للسلام في العام 1991، خمسة رؤساء، وسادسهم على الطريق، ومع ذلك لا يمل الخطاب الفلسطيني في كل مرة من تكرار ما قال وقيل من رغبته في العمل مع كل رئيس جديد، لعقد مؤتمر دولي لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والوصول إلى حل عادل على أساس قرارات الشرعية الدولية. وفي السنوات الـثماني عشرة الأخيرة، زاد الخطاب الفلسطيني على الكليشيه ذاتها عبارة «على أساس.. ومبادرة السلام العربية كما وردت بقمة بيروت العام 2002». وقبل أيام قليلة، سمعنا الرئيس محمود عباس يعود إلى الأسطوانة نفسها، بمناسبة انتخاب الرئيس جو بايدن.
طبعا لا يلام الرئيس الفلسطيني على التوجه إلى كل رئيس أمريكي جديد، ومطالبته بالاهتمام بقضية تؤرق السلام بالشرق الأوسط. لكن على الرئيس الفلسطيني تقدير المتغيرات التي طرأت على الإقليم بشكل خاص، والعالم عامة، قبل التوجه إلى سيد البيت الأبيض بخطاب تجاوزته حقائق السياسة والأرض. ومن المهم هنا الإشارة إلى مجموعة من هذه المتغيرات التي استجدت في الإقليم على الأقل، وتستدعي من الفلسطيني التعاطي معها بالضرورة.
أولا، ما تسمى المبادرة العربية للسلام، أو مبادرة بيروت 2002، التي قدمتها السعودية إلى القمة العربية في بيروت، ونصت بالأساس على «التزامهم (القادة العرب) بالتوقف عن إقامة أية علاقات مع إسرائيل حتى تستجيب لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، ومرجعية مؤتمر مدريد للسلام، والانسحاب من كافة الأراضي العربية المحتلة حتى خطوط الرابع من يونيو 1967». بالنظر إلى ما ورد في بنود هذه المبادرة، ومقارنته مع ما يجري على أرض الواقع، نرى أن الدول العربية الموقعة على المبادرة، ومنها العربية السعودية، صاحبة المبادرة، لم تعد تلتزم بروح هذه المبادرة، بل أسقطت كل ما ورد فيها. من هنا، لم يعد يجدي أن يتضمن الخطاب الفلسطيني أي إشارة إلى هذه المبادرة التي تخلى أصحابها عنها.
الأمر الآخر، مواصلة الرئيس الفلسطيني الحديث عن «حل الدولتين»، ولا أدري إن كان الواقع على الأرض كما يراه الرئيس أبو مازن من نافذة بيته، أو مكتبه في رام الله، ظل فيه ما يتسع لدولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل. الحقائق على الأرض تقر بحقيقة أن «حل الدولتين» لم يعد قابلا للحياة، ويحتاج إلى معجزات خارقة لتطبيقه.
آن الأوان، وبمناسبة انتخاب رئيس جديد للولايات المتحدة، تجديد الخطاب الفلسطيني، والتفكير خارج الصندوق، ولو من باب التجريب، بإمكانات حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي عبر ما يُعرف بحل دولة ديمقراطية واحدة جامعة، ترتكز على العدالة والمساواة، وتضمن سلاما حقيقيا في كل فلسطين التاريخيّة. دولة ديمقراطية – دستورية واحدة لكل مواطنيها. ليس مثل هذا الحل هجينا في النظم السياسية المتعارف عليها أو القائمة. على سبيل المثال، نموذج الاتحاد الفيدرالي البريطاني، حيث تتعايش أقاليم ويلز وإنجلترا واسكتلندا وإيرلندا الشمالية داخل كيان سياسي يعرف بالمملكة المتحدة، دولة اتحادية ذات نظام ملكي دستوري، يحكمها نظام برلماني مع حكومة مركزية في العاصمة لندن، مع تمتع كل إقليم بحكم محلي مع حكومة وبرلمان محليين.
من البراغماتية السياسية، وبعد فشل كل المبادرات القائمة على «حل الدولتين»، وخلق إسرائيل حقائق على الأرض تحول دون قيام كيان فلسطيني مستقل، لا يضر ترك الباب مواربا أمام فكرة الدولة الديمقراطية الواحدة في كل فلسطين التاريخية، حلا ممكنا للصراع وتفكيك نظام الأبارتهايد الاستعماري، وإقامة نظام سياسي مبني على العدالة والمساواة الكاملة في الحقوق والواجبات لجميع المواطنين، وعلى التطبيق الكامل لحق العودة، ورفع الظلم الذي لحق بالشعب الفلسطيني منذ 1948.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى