شوف تشوف

الرأي

ضربتان على الرأس

يونس جنوحي

ضربتان على الرأس لا شك أنهما توجعان، لكن بالنسبة إلى نظام بدون رأس، فإنهما عصيتان على التصديق.
لم يكد العجائز الذين يحكمون الجزائر يستوعبون صدمة إطلاق خط بحري بين المغرب وبريطانيا، والذي يربط ميناء طنجة المتوسطي بأحد أهم موانئ بريطانيا ووجهة شركات استيراد وتصدير عالمية، حتى سقط عليهم خبر آخر تناقلته كبريات وكالات الاقتصاد عبر العالم. ويتعلق بإطلاق أطول خط نقل للكهرباء في العالم من المغرب، حيث من المقرر أن يكلف مد هذا «الكابل» أزيد من 16 مليار جنيه إسترليني، وهو رقم مهم جدا يعكس مدى أهمية المشروع. إذ إن طول هذا الخط سوف يصل إلى 3800 كيلومتر للربط بين مزارع توليد الطاقة الكهربائية في المغرب وبين بريطانيا.
الطاقة التي يمكن أن ينقلها هذا «الكابل» ستكون كافية لتزويد أكثر من سبعة ملايين منزل في بريطانيا بالطاقة الكهربائية، وهذا يعني أن المشروع الكبير الذي بدأ الاشتغال عليه في المغرب خلال السنوات الأخيرة، والمتعلق بإنتاج الطاقة، أصبح واقعا ملموسا تدل عليه الأرقام التي وضعتها الشركات الثلاث التي تنوي الاستثمار في المغرب.
مشروعان بهذا الحجم من شأنهما إعادة الوهج إلى الخط البحري القديم بين المغرب وبريطانيا، والذي تأسس قبل حتى أن توجد دولة اسمها الجزائر، وهذا واقع تاريخي يجب على الجميع تقبله بل وبرحابة صدر، لأن التاريخ لا يمكن تزويره نهائيا.
يتوفر المغرب وبريطانيا على اتفاقيات تعود إلى عهد الدولة السعدية، أي قبل أزيد من 800 عام. فيما توجد اتفاقيات أخرى اقتصادية بين شركات بريطانية والمغرب تعود إلى عهد محمد الرابع وإلى فترة القرن السابع عشر أيضا، حيث كان هناك خطان بحريان يربطان المغرب ببريطانيا. الأول في طنجة والثاني في الصويرة. وكانت عائلات التجار المغاربة في كل من فاس والصويرة، تتوفر على فروع لشركاتها في لندن وتسافر وتوقع شراكات مع الوزارات البريطانية. كما أن المغرب سبق له توقيع مئات الاتفاقيات في التعاون البحري ومجال صناعة السفن منذ ذلك العهد. حدث هذا عندما كانت الجزائر أرضا بدون حدود أنهكها تسلط العثمانيين وكان سكان القبائل المكونة لها يهربون صوب المغرب خوفا من الغارات العثمانية، حيث كانت البلاد بدون حكومة حرفيا. في وقت كان المغرب يوقع اتفاقيات في مجال صناعة السفن ويقتني من بريطانيا مدافع ثقيلة لمواجهة الغزو البرتغالي والإسباني.
وفي الوقت الذي كان الجيش الفرنسي يرتكب المجازر في الجزائر ويستعمر القرى، كان المبعوث الفرنسي الخاص يرسل طلبات لقاء ودي مع السلطان المغربي محمد الرابع، حيث يرفض استقباله ويُترك مع مرافقيه ينتظر لساعات في الشمس قرب قصر مدينة فاس إلى أن يقرر العودة من تلقاء نفسه دون أن يحظى بأي استقبال.
وقد كان موقف السلطان المغربي محمد الرابع من باب التضامن مع الجزائر.
الخط البحري، الذي يربط الآن ميناء طنجة المتوسطي ببريطانيا، ما هو في الحقيقة إلا استئناف لرحلات انطلقت من نفس الخط قبل أزيد من سبعة قرون خلت. أما خط نقل الطاقة الكهربائية الذي سيمر تحت البحر وبعمق يتجاوز 700 متر فليس إلا تأكيدا على أن الذين كانوا يعتقدون أن قطع خط الغاز نحو إسبانيا، والذي كان يعبر أساسا التراب المغربي، سيؤثر على المصادر المستقبلية للطاقة، واهمون، وتلزمهم سبعة قرون أخرى أو أكثر ربما، لكي يفهموا أن الخطوط البحرية لا تموت، وأن التيار لا ينسى اتجاهه أبدا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى