هناك سؤال مصيري ومهم ومستعجل يجب أن تقدم بشأنه الحكومة جوابا واضحا، وهو هل ستكون لدينا مياه في صنابيرنا هذا الصيف؟
نطرح هذا السؤال لأن النقاش الذي يفرض نفسه هذه الأيام في فرنسا وإسبانيا هو موضوع الماء والجفاف والعطش الذي يتهدد مواطني هاتين الدولتين.
وإذا كانت دول أوروبية تعلن حالة استنفار لتجنب أزمة العطش في الصيف فإننا في المغرب نستغرب الطريقة المتراخية التي تتعامل بها المصالح المختصة مع هذا الموضوع الخطير.
السدود تسجل نسبة امتلاء أقل من مثل هذه الفترة من السنة الماضية وأغلب القرارات التي تم اتخاذها على عجل السنة الماضية لترشيد استهلاك المياه تبخرت بعدما ارتخت قبضة الجهات المخولة بمراقبة استهلاك المياه، وهذه عادة مغربية أصيلة، فكل الخطط تبدأ بحماس ثم يصيبها التراخي وتصبح نسيا منسيا، ومن يتذكر اليوم حملة زيرو بلاستيك التي أطلقتها الحكومة السابقة بمناسبة مؤتمر الكوب في مراكش، فها هي ورشات صناعة البلاستيك عادت بنشاط أكبر من السابق، فقد اتضح أن الحملة كانت ظرفية فقط بسبب المؤتمر العالمي، مثلها مثل بدعة الحافلات الكهربائية الإحدى عشرة الباهظة بمراكش التي كلفت 500 مليون للحافلة التي تشتغل فقط في الشتاء لأن حرارة البطاريات في الصيف ترتفع وتتعطل. وحتى الشركة الصينية التي يمكن اقتناء قطع غيار منها لهذه الحافلات أفلست.
وهكذا فمصيبتنا في هذا البلد ليست انعدام المبادرات بل انعدام تتبع هذه المبادرات على الأرض، ومثلا السنة الماضية عندما ارتفع احتجاج ساكنة المناطق النائية بسبب العطش اقتنت الحكومة من شركة إيفيكو مئات شاسيات الشاحنات وزودتها بخزانات حديدية لتوزيع مياه الشرب. أين هي هذه الشاحنات الآن؟ إنها تصدأ في المواقف وتم نهب قطع غيارها.
والإحصائيات تشير إلى أن انخفاض المياه العذبة يسير بنسبة 61 بالمائة، والسدود اليوم توجد في أقل مستوياتها، حيث لم تعد تتعدى نسبة الملء في بعضها 15 بالمائة خصوصا في الجنوب، هذا دون أن نتحدث عن 3.5 ملايين مغربي محرومين من الماء.
يجب على صناع القرار السياسي وصانعي السياسات العمومية أن يغيروا علاقتهم بالزمن. فالمغرب لم يعد أمامه وقت يمكن إهداره في التردد أو اللامبالاة أو التجاهل، خصوصا في موضوع حيوي وحاسم على مستوى الاستقرار كموضوع الماء.
يجب القطع مع البيروقراطية والمرور إلى السرعة القصوى لإنجاز محطات تحلية المياه ومحطات تدوير المياه العادمة في كل المدن، لا يجب أن نرمي في البحر مستقبلا قطرة ماء ملوث واحدة، علينا الاقتداء بنموذج إسرائيل التي لا ترمي في البحر سوى عشرة بالمائة من مياهها العادمة، فيما تعمل على تدوير الباقي واستعماله في الري والسقي والشرب بنسبة 70 بالمائة.
أعتقد أن التركيز كله يجب أن يذهب نحو مشروع إنشاء مصانع تحلية مياه البحر الستة التي تم الإعلان عنها والتي ستصفي حوالي مليار متر مكعب. وأن يتم التفكير في إنشاء مصانع في كل المدن الساحلية، مع إمكانية فتح هذه السوق في وجه المستثمرين الخواص بشراكة مع الدولة.
قد يقول قائل إن محطات تحلية مياه البحر مكلفة وتستهلك الكثير من الطاقة الكهربائية التي نحن أصلا نشتريها، وإذا كان المتر المكعب الواحد من الماء العادي يكلف أربعة دراهم فإن مترا مكعبا من مياه البحر المحلاة يكلف سعر بيعه ستة دراهم، وليس هناك مستثمر أحمق سيدخل هذا المجال لكي يخسر أمواله.
والجواب على هذا الطرح واضح، إذا وجدت أن كلفة تحلية مياه البحر باهظة جرب كلفة العطش.
والحل هو دعم الدولة لاستهلاك المياه المحلاة وتحمل الفارق عوض الاستمرار في دعم السكر الذي تستفيد منه شركات المنتجات الغذائية والذي لا ينتج سوى أمراض السكري والسمنة والأرباح الطائلة لمنتجي الحلويات والبيسكوي.
كما أن الحل يكمن أيضا في تجهيز محطات تحلية مياه البحر بمحطات لإنتاج الطاقة الشمسية، والتجربة أظهرت أنه بمحطة الداخلة لن يتجاوز سعر تحلية المتر المكعب الواحد أكثر من درهمين ونصف بسبب اعتماد إنتاجه على الطاقات البديلة.
ما يلزم الاهتمام به أيضا هو إعادة تصفية المياه العادمة بنسبة عشرة بالمائة على الأقل في كل المدن في مرحلة أولى، ووضع آليات لجمع مياه الأمطار عِوَض تركها تضيع، عندما تهطل، في قنوات الصرف الصحي.
إن المحافظة على الثروة المائية ليست مسؤولية قطاع واحد فقط بل هي مسؤولية جميع القطاعات. وزارة التعليم يجب أن تدمج ثقافة المحافظة على الماء في برامج التعليم الأساسي، ومعها دروس النظافة الأساسية كغسل الأيدي قبل الأكل لأن الأسر لم تعد تربي أبناءها على النظافة. والقطب الإعلامي العمومي يجب أن يدمج في شبكة برامجه حصصا للتوعية بأهمية اقتصاد الماء، وهنا أتذكر وصلة «الطاقة ثمينة حافظوا عليها» سنوات الثمانينات التي كانت تساهم في توعية المواطن بأهمية اقتصاد الطاقة.
كما على وزارة الإسكان أن تفرض على جميع المنعشين العقاريين أن يضعوا في حسابهم بناء قنوات خاصة بمياه الأمطار وأخرى خاصة بالمياه العادمة، وعلى البلديات ومجالس المدن أن تضع قنوات خاصة في الشوارع، واحدة لمياه الأمطار لاستغلالها وأخرى خاصة بتصريف مياه الواد الحار. فلا يعقل أن ألمانيا التي تعيش وسط الأنهار تجمع مياه الأمطار في الوقت الذي نرى فيه كيف تذهب مياه الأمطار عندنا إلى البحر مع الواد الحار.
وعلى وزارة الداخلية أن تراقب محلات غسل السيارات التي تستعمل الآبار وتستنزف الفرشة المائية، كما عليها أن تمنع استعمال ماء الشرب لسقي المساحات الخضراء.
نعم للإكثار من المساحات الخضراء في المدن، لكن يجب الخروج من ثنائية العشب والنخل والبحث عن أشجار وأغراس تتماشى مع مناخ كل منطقة ولا تحتاج المياه بكثرة.