شوف تشوف

الرأيسياسية

صورة قاتمة لعالم 2040

 

 

المعطي قبال

 

إلى عهد قريب، أكدت العديد من الدراسات والتحاليل أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية فقدت دورها الريادي في التقاط الأخبار بشكل فوري، ومراوغة وإبطال مفعول الأعداء، قبل أن ينفذوا خططهم التخريبية، سواء داخل أمريكا أو خارجها. وأكدت العديد من الأحداث والوقائع هذه الأطروحة، وذلك على خلفية هجمات الحادي عشر من شتنبر 2001، عدم رصد وقوع انفجارات الربيع العربي، ترسيم تقنيات التعذيب مع تهجير المشكوك فيهم إلى مراكز مجهولة… آخر فشل منيت به الوكالة، هو عودة طالبان إلى الحكم وهو ما لم تخمنه الوكالة.

خلال حقبة ولاية دونالد ترامب، استغلت بعض الدول مثل روسيا، الصين، وتركيا فرصة انسحاب الولايات المتحدة من المشهد العالمي، لتقوية حضورها ونفوذها. لكن وإن ساهم الاتحاد السوفياتي بشكل غير مباشر منذ 75 سنة وعلى خلفية الحرب الباردة في نشأة الوكالة، فإن روسيا فلاديمير بوتين تساهم اليوم في إنعاش بل وتعزيز ديناميتها. لكن يبقى سعي الوكالة في نهاية المطاف، هو الإطاحة بالرئيس الروسي. وتحت إدارة وليام بيرنز، الذي يعرف بوتين جيدا كونه شغل منصب سفير للولايات المتحدة ما بين 2005 و2008. وكل يوم تسلم الوكالة إلى الرئيس خلاصة عن الأوضاع الداخلية والخارجية. مع وصول بايدن إلى السلطة، تبوأ وليام بيرنز موقع من يجمع الأسرار ويكتمها. ويوم تعيين بايدن رئيسا، وضعت الوكالة كما هي العادة منذ 1997 على مكتبه تقريرا حول وضع العالم عام 2040، كما تراه الوكالة المركزية. وتعتبر هذه الوثيقة التي تهيأ كل أربع سنوات، وثيقة استشراف وتوجيه للسياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة الأمريكية. وبتعيين وليام بيرنز مديرا، وجد هذا الأخير نفسه أمام عدوين: عدو الداخل ممثلا في الحركات المحافظة المحسوبة على المتطرفين من الجمهوريين، والذين نظموا وقاموا بالهجوم على الكابيتول، مبنى الكونغرس الأمريكي، أما العدو الخارجي فتمثله روسيا. وبفضل خبرته في الملف الروسي، أخبر وليام بيرنز الرئيس بايدن بهجوم روسيا على أوكرانيا، قبل وقوعه.

وفي تقريرها الأخير تشير الوكالة إلى أن روسيا ستستمر في استعمال الطاقة كأداة ضغط للسياسة الخارجية، وإرغام الدول على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. وفي عز الحرب، أغدقت الوكالة على قسم المخابرات الأوكراني بالأخبار والتقارير، التي تم تجميعها بفضل الأقمار الاصطناعية التي تراقب عن كثب تحركات الجيش الروسي.

يعلم بوتين جيدا أن وليام بيرنز هو من يقف وراء هذه الاستراتيجية، التي تقوم فلسفتها على استباق ضربات الجيش الروسي، ومحاولة تجنب الخسائر التي يمكن أن تلحقها بالمواطنين وبالمرافق الحيوية. غير أن الوكالة يشير جان غينال، الصحافي بأسبوعية «لوبوان»، والمتخصص في قضايا الاستخبار والدفاع، لا يقف تدخلها عند مساعدة الجواسيس والعملاء العاملين في بلدان مثل الصين، إيران، وبعض دول أمريكا اللاتينية ودول أخرى مناهضة لأمريكا، بل تغطي هذه المساعدة مجالات حيوية مثل ستارت أب، ميادين السينما، الإعلام، ألعاب الفيديو وبعض وسائل التواصل الاجتماعي، مع تسخير علماء الفضاء لتحليل المعطيات الناتجة عن الصور الملتقطة بواسطة الأقمار الاصطناعية، أو بواسطة الطائرات المسيرة.

دخلت الوكالة في زمن جديد هو زمن ما بعد الكوفيد، زمن الأزمات المناخية، الجرائم والمافيات الرقمية، زمن البيو- تكنولوجيا، الذكاء الاصطناعي، ويعطي التقرير المذكور آنفا للحقبة القادمة في أفق 2040 صورة عن مجتمعات متشظية، مجتمعات عرضة لتهديدات ورهانات جسيمة، إذ سيبلغ عدد سكان الكرة الأرضية 9,4 مليارات نسمة، لتنتزع الهند من الصين المرتبة الأولى. على المستوى الاقتصادي سنشهد تفاقم الأمن الغذائي والكوارث الطبيعية وظهور أوبئة جديدة، مع انخفاض في تطور مكافحة الملاريا وداء السل. كما ستعرف الأمراض العقلية استفحالا، الشيء الذي قد يتطلب ميزانية بمبلغ 16000 بليون دولار لمواجهة هذه الآفة. الرهان اليوم هو كيف يجب التفكير في المدى البعيد الذي ينتظر عالم المستقبل؟ كيف تستعد الأجيال القادمة لمجابهة تحديات هذا العالم المخيف؟

إن استشرفت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية من خلال تقريرها الأخير الصورة الحالكة التي سيقدمها العالم عام 2040، فلكي تتحكم أمريكا في صيرورة هذا العالم وتسترجع مكانتها كقوة عظمى، وذلك بعد أن تكون قد أبطلت مفعول روسيا والصين. لكن ما نصيب الحقيقة من علم الخيال في هذا التقرير؟ ذاك هو السؤال.

نافذة:

يعطي التقرير المذكور آنفا للحقبة القادمة في أفق 2040 صورة عن مجتمعات متشظية مجتمعات عرضة لتهديدات ورهانات جسيمة إذ سيبلغ عدد سكان الكرة الأرضية 9,4 مليارات نسمة لتنتزع الهند من الصين المرتبة الأولى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى