صورة تذكارية
يونس جنوحي
لم يكن حريا برئيس الحكومة أن ينفعل عندما سُئل عن المانع من تنقله إلى منطقة «إيجوكاك» التي وقعت فيها الكارثة. لماذا لم يتحرك لتقديم التعازي للعائلات في نواحي منطقة تاليوين التي لا يعرف جل المغاربة عنها أي شيء سوى إنتاج الزعفران؟
العثماني، وهو ابن الجنوب، يا حسرة، ويعلم جيدا المكانة التي يوليها سكان تلك المناطق لأهل العلم، والذي يُعتبر والده واحدا منهم.
ليس هناك أي إخلال بالاحترام الواجب لرئيس حكومة أي بلد في العالم، عدما يُطرح عليه سؤال مماثل. نعم، لماذا لم تذهب إلى «إيجوكاك» ساعة وقوع الكارثة؟ ولماذا لم تذهب على الأقل لزيارة المنطقة والاستماع للسكان؟ والأنكى في القصة كلها أنه تحجج بكتابة تعزية في حسابه على «تويتر».
رئيس الحكومة يريد أن يقول لكم إنه تضامن مع ضحايا الفاجعة والعائلات التي عاشت ساعات عصيبة جدا من الترقب والانتظار لانتشال الجثث، وكتب لهم تعزية من هاتفه، وبعدما تأكد أنها نُشرت، تناول عشاءه ونام بهدوء في إقامته الهادئة في العاصمة.
في دول أخرى، إما يستقيل رئيس الحكومة أو الوزير الوصي على القطاع، وإما يتم رشقه بالبيض أو الطماطم وأحيانا الدقيق، في أول مؤتمر صحفي. وهذا الأمر يحدث إلى اليوم في كل الديموقراطيات المحترمة التي تعرف تماما ثقل المسؤولية، ويقدم وزراؤها استقالاتهم كلما لمسوا غضبا من الشارع إما بخصوص سياساتهم أو عند تقصيرهم الواضح في التعامل مع الكوارث.
مرة أخرى، رئيس الحكومة، الذي اشتغل طبيبا نفسيا، يا حسرة، لم يستطع كبح غضبه ولا التحكم في انفعالاته، وكأنه لا يطيق أن يُطرح عليه سؤال مماثل.
إذا كان الإجراء الوحيد الذي باشره بعد هذه الكارثة هو تقديم التعازي للعائلات، فإن الأمر فضيحة أخلاقية وسياسية معا. إذ لو كان الأمر يتعلق بحملة انتخابية أو جنازة طالب محسوب على تيار شبيبة الحزب، لتوجه المكتب السياسي كاملا لتقديم التعازي والتقاط الصور وإلقاء الكلمات بالمناسبة. لكن الأمر يتعلق بمواطنين عُزل يعيشون بجانب حقول الزعفران، تلك النبتة العجيبة التي لا تنمو إلا في تلك المنطقة، ولم تنجح إيران حتى الآن في منافستها على الجودة والسمعة التي تحظى بها في كل بقاع العالم.
سنويا، تأتي قنوات أجنبية لتصوير وثائقيات عن عمليات جمع الزعفران واستخلاص شعيراته من الوردة التي لا تنمو إلا في جو القساوة والبرودة الشديدة. ووحدها تلك النبتة اختارت منطقة عيشها جيدا، أما السكان هناك فلم ينتبهوا إلى أنهم يقعون خارج اهتمام حكومتهم تماما، إلا بعد هذه الفاجعة.
نحن على أبواب تعديل حكومي مقبل. من سيبقى، من سيغادر؟ تكهنات في الصحافة ولوائح المشتبه في مغادرتهم للحكومة ومدافعون عن بقاء بعض الأسماء، ومقترحات للوزراء الجدد الذين قد تتماشى «بروفايلاتهم» مع الدعوة الملكية الأخيرة في خطاب عيد العرش.
هناك حاجة كبيرة في المغرب إلى عودة النخب والأطر المسؤولة، وليس فقط قدماء الأحزاب السياسية، والذين تربوا في أجوائها البئيسة ولم يحققوا إلا الترقية الأكاديمية التي تكون أحيانا كربح صاف من مكاسب الانضمام لحزب سياسي ما.
هناك شبان مغاربة ناجحون في مجالات كثيرة، ومنهم من تألق في الخارج، حيث لا وساطات ولا فضائح «ماستر» مقابل السرير. ونجحوا في الوصول إلى قمة النجاح الأكاديمي والعلمي وقدموا إضافات مهمة للتخصصات التي تابعوا فيها دراساتهم العليا، ويمكن أن يُفيدوا بها في مجال التسيير الحكومي مستقبلا. لماذا لا يتم استدعاء هؤلاء الناس، ومنهم مسيرون لشركات عالمية كبرى في أوربا وآسيا وأمريكا، ودعوتهم للمشاركة في تقديم مقترحات لإنعاش القطاعات الحكومية المطلوب إعادتها إلى السكة.
لقد فشلت الأحزاب، وعليها أن تعترف صراحة بهذا الأمر، في استقطاب النخب بالخارج، ورغم أن قادة بعض الأحزاب وأعضاء مكاتبها السياسية سافروا مرات كثيرة إلى الخارج لحضور ندوات ومؤتمرات، فإن علاقتهم بهؤلاء المهندسين والمسؤولين المغاربة في الشركات والمؤسسات، لم تتعد وجبة عشاء وكأس شاي، وصورة تذكارية.