شوف تشوف

الرأي

صناعة السحر

من ملأ بيته بكتب السحرة تحول إلى ساحر، ومن ازدحمت رفوفه بكتاب الباري والهاري وحاشية الأحوذي، لم يفهم من فائض القيمة، ونكس الدولار، وما بعد الحداثة، والفيمتو ثانية، والكود الوارثي، وقوانين التاريخ، أكثر من فلاح في رياضيات التفاضل والتكامل، وهو حال المسلم الحزين في القرن الواحد والعشرين.. كما كتب ابن أحمد أمين!!
والإحباط يولد العدوانية، كما يقول عالم النفس السلوكي سكينر أن الانفعالات تتبادل التأثير..
والعالم الإسلامي الذي يتفجر في كل مكان خزانة أحزان وإفلاس وفشل.. وعندما أدخل بيت أحدهم أعرف في أي فترة يعيش؟ فإن امتلأت الخزانة بالأعقاب المذهبة، من كتب مجلدة بعناية، أعرف أنه يعيش في استراحة المماليك البرجية أيام قلاوون الألفي قبل ألف سنة، ومن اختلفت أحجام كتبه ونوعها وألوانها عرفت أنه في العصر.
وفي يوم دخلت في القصيم إلى بيت رجل مثقف فرأيت كتب الفلسفة فصرخت: أكتب الفلسفة في القصيم؟؟
ولكن البيئات المغلقة تنتج أكثر العقول انفتاحا إلى درجة الكفر البواح.. بفعل الأثر المضاد من قانون نيوتن الثالث في الميكانيكا، وميكانيكا المجتمع أدهى وأمر..
والقصيمي ضحك على الله في كتبه، كما فعل نيتشه من قبل في إعلان موت الله، وفوكو الفرنسي في موت الإنسان، وكافكا في موت المجتمع، ودريدا في موت كل شيء، وماركس في بؤس الفلسفة.. والقصيمي نتاج هذه البيئة المغلقة، فإذا انطلق حمل معه كل الدفع المضاد المحبوس.. فتبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام؟؟
ويخيل للبعض أنه إذا حفظ القرآن عن ظهر قلب، لاحت له المقاصد الإلهية؟ وهو زعم من يحفظ أسماء أدوية في صيدلية عملاقة، فيظن أنه محيط بعلم الطب والصيدلة معاً.
وأسماء الأدوية لا قيمة لها، ويمكن لأي فراش أن يحفظها، ولو لم يكن صيدلانيا، والكثير من الذين يبيعون في الصيدلية، لا يزيدون عن عمال ثمامة في البيع والشراء والحمل والنقل، أما علم الصيدلة فأمر مختلف وكذلك مقاصد الشريعة..
وكان محمد عبده حينما ينقل له خبر حفظ أحدهم للقرآن كان يعقب فيقول: «زادت نسخ القرآن نسخة».
ومنذ أيام المماليك الشركسية انتشرت معاهد وتكايا طلاب الشريعة، فمكنت للطغيان أكثر من القرآن.. وحافظ الأسد في سوريا دفن عشرات الآلاف في صحراء تدمر قتلا وغدرا وذبحا وتهشيما بالطبنجة والغدارة مثل قراصنة الكاريبي، من خيرة أبناء سوريا، في الوقت الذي كان كفتارو والبوطي يباركان له فتح معاهد تحفيظ القرآن.. في تحالف مافيا الدين مع السياسة.. كما جاء في كتاب الخاتمي عن وقوع الدين في شرك الاستبداد..
ومهمة المفاتي ورجال الدين والبطريرك والبابا في معظمها لا تزيد عن هذه المهمة، منذ أيام كهنة آمون وفرعون بسماتيك الأول وبيبي الثاني. فبقدر ثقل الثياب وارتفاع القلنسوة والعمامة والطربوش بقدر التجهيل والإضلال.. ومفتي الديار العثمانية كان يفتي وبآية من القرآن بقتل كل إخوة الخليفة الجديد، فكانت المناحة تشتغل مع قدوم كل سلطان.. وفي يوم خنق الخليفة 14 أخا من إخوته دفعة واحدة، فكان مجيء سلطان جديد نكبة أكبر.. ومع أن القرآن لا يشير في آية واحدة إلى حفظ القرآن، لأنه تكفل بحفظه، ولكن المسلمين ينشئون هذه المعاهد، لتكرار ثقافة ميتة، أوصى القرآن بخلافها، وهي خلطة عجيبة في قتل ثقافة حية بثقافة ميتة..  وعندما ضرب الطاعون لندن عام 1665م قضى على سبعين ألفا من أصل 400 ألف من السكان؛ فلم يعرف الناس كيف جاء ولا كيف ذهب؟ وكان أهل المريض يبكون عليه ويقبلونه فيصابون بعده بأيام ويلحقونه إلى القبر عظاما نخرة. والذي كشف المرض كان (يرسن) وبيده ميكروسكوب، ويعالج اليوم ببضعة غرامات من الصادات الحيوية.
إذن ليست العبرة أن يقرأ الناس مائة كتاب أو ألف كتاب، بل ماذا يقرؤون؟ فمن يقرأ في الفكر القومي يخرج متعصبا مغلق الاتجاهات، من الجهات الست، وكذلك مصير الأصوليين بفرقهم الست..
ومن يعتاد التصفيق في المظاهرات، في عبادة الأصنام أحياء وأمواتا، يشبه من يواظب على (حضرة) الصوفية والقفز فيها. ونوعية الغذاء الفكري هامة جدا، في إنتاج نموذج الشخص؛ فمن يواظب على قراءة «الكتاب الأحمر» يعبد (ماوتسي تونغ). ومن يقرأ في «الكتاب الأخضر» للقذافي يعتقد جازماً أنه وصل إلى الحل النهائي لكل مشاكل الجنس البشري. ومن يواظب على قراءة كتاب «المراجعات» يعتقد أن الشيعة هم أهل الحقيقة الواحدة بدون ريب. ومن قرأ أحاديث النووي المكتوبة لجيل نشأ قبل ألف سنة، يظن أنها حلول كل مشاكل القرن الواحد والعشرين.. ومن أراد فهم القرآن قلب مخه 360 درجة فرجع في الزمن 1200 سنة ليقرأ تفسير الطبري، ويزعم السلفيون أن أفضل طريقة للمشي إلى الإمام هي المشي للخلف!!
وإذا اعتاد الجسم على جرعات كبيرة من مادة النحاس يتعرض لتشمع الكبد، كما أن نقص الحديد ولو كان بكميات زهيدة يعرض صاحبه لفقر الدم، وأن يجرجر رجليه ضعفا وإعياء. سنة الله في خلقه. لذا كان مهماً أن يكون الغذاء الفكري منوعا وبكميات كافية.
وهكذا يتم التعامل مع النبات والأرض والحيوان والإنسان والمجتمع؛ فكثرة البقول تزيد الخروج، وشدة السماد تحرق التربة، ونقص الماء يميت كل الكائنات.
وتجرع الكحول بكميات عالية يصيب المعدة بالقرحة والكبد بالتشمع.
ومن أخذ جرعة هيروين واحدة أصيب بالإدمان. ويرى (برتراند راسل) الفيلسوف البريطاني، في كتابه «السلطان»، أن أفضل طريقة لتربية الأطفال هي عرض الأفكار المتناقضة لأبعد الحدود أمامهم، والسماع من أشد المتطرفين ومن الجانبين، وتدريب عقولهم على استيعاب مسافات الفروق. ولكن بيننا وهذا الفهم مسيرة ثلاث سنوات ضوئية..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى