صناع مجد الألمان المغاربة .. سياسيون ورياضيون ومفكرون مغاربة أسعدوا الجيرمان
ظل الحضور المغربي محتشما في المشهد الإعلامي الألماني، باستثناء تألق بعض المحترفين في مجال كرة القدم وثلة من أبطال الرياضات القتالية، فالمغاربة شبه غائبين سواء تعلق الأمر بصور إيجابية أو سلبية. لكن كلما تعلق الأمر بفاجعة لمغربي يد فيها إلا نال المغاربة حصة مضاعفة من التنكيل، كما حصل عقب اتهام بعض المغاربة في أحداث رأس السنة التي شهدتها مدينة كولونيا سنة 2016.
لكن هذه الصورة النمطية السلبية لا تقتصر على ألمانيا بل تمتد لدول أخرى، وتبقى نسبية والدليل على ذلك أن المهاجر المغربي لا يجد أية صعوبات في التعامل مع الآخر، ولا في إثبات ذاته والنجاح في المجتمع الألماني، لأن ثنائية انتمائهم تعد قيمة مضافة لهم ونجاحهم في بلد الاستقبال هو نجاح للمغرب أيضا.
ولعل السبيل إلى طرد الصورة النمطية يبدأ بالمشاركة والانخراط في الأحزاب السياسية، وكذا خلق مبادرات تواصل وحوار وعمل مشترك مع مثقفين ومفكرين وسياسيين وإعلاميين ألمان، والاشتغال على الذاكرة الجماعية للمغاربة في ألمانيا وتعزيز التواجد في الإعلام الألماني بنماذج مشرفة.
وحسب محمد عسيلة المستشار في شؤون الاندماج والحاصل على جائزة الاندماج في ألمانيا، فإن العمل الجاد يسهل الاندماج في مجتمع لا يؤمن إلا بالجادين، طبعا دون التفريط في الهوية المغربية، لقد آن الأوان لبناء الإنسان ولتفعيل الديبلوماسية الموازية وخلق لوبي قوي يدافع عن مصالح المغرب ويقوي مكانته.
لقد تغيرت الأحوال وأصبح المغاربة يتقلدون كبار المناصب التي لا تمت بصلة للحرف والمهن التي امتهنها الأجداد والآباء في السابق، وهو ما يحولهم إلى فاعلين بعد أن ظلوا لسنوات مجرد مفعول بهم.
في ظل حالة الاحتقان التي تعرفها العلاقات المغربية الألمانية، لا بأس من الوقوف عند بعض النماذج المغربية المشرقة، التي تقاسمت مع الألمان عبء قيادة بلد الاستقبال نحو التوهج في أكثر من مجال.
مواقف ميركل تدفع سياسية مغربية للاستقالة
إذا قارنا ألمانيا مع بعض الدول الأوروبية، فإننا سنقف على ضعف حضور السياسي المغربي في هذا البلد، لكن العديد من الوجوه السياسية نالت حيزا من المصداقية أبرزهم حكيم الغزالي، الشاب المغربي القيادي في الحزب الاشتراكي الديمقراطي في مدينة دوسلدورف الألمانية منذ 2010. حكيم من مواليد حي فيرستن بمدينة دوسلدورف، الذي تقطنه نسبة كبيرة من العائلات ذات الأصول الأجنبية، درس العلوم السياسية، وكانت بدايته مع برلمان الجامعة قبل أن يترشح للانتخابات البلدية.
كما سطع اسم محمد لغضس، في نفس التنظيم الحزبي، وهو سياسي ألماني من أصول مغربية، انخرط بالحزب الاشتراكي الديمقراطي منذ أزيد من 20 سنة، يشغل منصبا هاما بقسم البناء والتنمية التابع لبلدية مدينة غيرمسهايم. قال محمد في حوار مع “شبكة دوتش فيله” الألمانية، “إن التدرج داخل التنظيمات الحزبية الألمانية أمر متاح بصرف النظر عن عرق الشخص، لافتا الانتباه إلى أن ذلك يجب أن يكون متلازما مع الحنكة السياسية المطلوبة والتخصص في شؤون دون غيرها كالاقتصاد والمجال الاجتماعي والإعمار والتنمية”، بمعنى أنه لا مكان للسياسي الشامل.
أما نادية يقين السياسية والإعلامية المغربية المقيمة بألمانيا، فقد انسحبت من الحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني، والذي سبق وأن ترشحت ضمن قائمته، احتجاجا على تعليق نائبة رئيس بلدية بريمن الألمانية التي تنتمي لنفس الحزب، على صورة لانفصاليين البوليساريو أمام مقر للبرلمان بألمانيا، بالمطالبة بالحرية لما أسمتها بآخر مستعمرة في إفريقيا.
وشددت الصحافية المغربية التي تدير موقعا إذاعيا يبث باللغتين الألمانية والعربية في تدوينة على حائطها بموقع التواصل الاجتماعي، على أن القضية الوطنية خط أحمر لا نقاش فيها، وهذا ما حملها على إعلان انسحابها من الحزب الديمقراطي الألماني الذي أساء إلى وحدتنا الترابية.
ابن منظفة في مستشفى ألماني يصبح مديرا عاما للمستشفى
يلفت العديد من الخبراء المغاربة في المجال الطبي الأنظار في ألمانيا، يصعب الحديث عن جميع الخبراء المغاربة العاملين في هذا القطاع، أبرزهم البروفسور خالد السويلي ابن مدينة طنجة، وميمون عزيزي أخصائي ابن الناضور المختص في الصحة النفسية والعصبية والذي يشتغل كطبيب رئيسي للطوارئ بألمانيا، والبروفسور عبد الحق الرامي الذي يشتغل في إحدى المستشفيات والجامعات بألمانيا، ناهيك عن الشاب رشيد بولعوين الطبيب الشهير في جراحة الأسنان وماجد حمدوشي غيرهم من الأسماء. ونسجل هنا المكانة التي تلعبها جيهان السعيدي، وهي طبيبة مغربية مقيمة بالمستشفى الجامعي أولندوبرغ بألمانيا، التي لفتت الأنظار في مواجهة كورونا.
لكن القصة المثيرة للجدل فتخص البروفسور خالد السويلي الطبيب المختص في علاج سرطان النساء، الرجل الذي يتربع على عرش منصب على قدر كبير من الأهمية في ألمانيا، إذ يشغل منصب مدير أكبر وأشهر مستشفى لعلاج الأورام ليس فقط على المستوى الأوربي بل العالمي.
قصة هذا الطبيب كانت مثار جدل في الإعلام الألماني الذي اعتبرها واحدة من قصص النجاح، فوالدته سيدة بسيطة كانت تمتهن الخياطة قبل أن تشتغل في مستشفى ألماني كمنظفة وهو المستشفى الذي سيصبح ابنها مديرا عاما له. “كانت والدتي تنظف أوساخ المستشفى وفضلات المرضى وتنظف الجروح وتتكلف بالنفايات وتجمع بقايا القطن المحشو بعصير القيح ودماء المرضى المصابين” يقول ابنها خالد في حوار صحفي. علما أن الرجل قرر في السنوات الأخيرة خوض تجربة الكتابة الأدبية، فأصدر كتابين باللغة الألمانية، يحمل الأول عنوان “طنجة” والثاني “مراكش”، ما يؤكد جاذبية المجال الجغرافي في حياته.
وفي ألمانيا التي عرفت موجة هجرة ولجوء كبيرة في السنوات الماضية، هناك خصاص كبير في اليد العاملة المؤهلة خصوصاً في الطب والتمريض، وتصل الحاجيات إلى مئات الآلاف، الشيء نفسه بالنسبة إلى المهندسين في مختلف المجالات.
مغربية على رأس أكاديمية الأوبرا تبهر الألمان
بدأت مسار الهجرة من مدينة بوردو الفرنسية، وفيها تشبعت مونية رزق الله المغربية الأصل بروح الموسيقى إلى أن سطع نجمها في سماء الموسيقى الكلاسيكية، ليس فقط في ألمانيا بل في أوروبا والعالم. انتقال مونية رزق الله إلى برلين كان بإيعاز من أساتذتها من أجل تطوير أكثر لمهاراتها الموسيقية خاصة لدى طوماس برانديس، عازف الكمان الأول ضمن الأوركيسترا الفيلهارموني البرلينية والأستاذ بجامعة الفنون ببرلين.
في حوار لها مع وكالة المغرب العربي للأنباء، اعتبرت مونية سنة 2000 مفصلية في مسارها، حين دخلت الأوبرا الألمانية بالعاصمة من بابها الواسع، “وبعد سنتين أصبحت عضوا رسميا بالأوركيسترا الأوبرالي وتدرجت في المواقع إلى أن أصبحت عازفة الصف الأول ثم أستاذة بأكاديمية الأوبرا وهو منصب لا يلجه إلا المميزون ذوو الموهبة العالية”.
لم يقف نجاح مونية رزق الله عند هذا الحد بل حملها لتكون عازفة الصف الأول ضمن أشهر الأوركيسترات ومع أمهر الموسيقيين وقادة الفرق الموسيقية “المايسترو”، في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وآسيا وأفريقيا وزيلندا الجديدة وغيرها. عزفت مونية بالأوركيتسرا الفيلهارموني بنيويورك وبأوبرا هامبورغ وميونيخ.
إلا أن مونية وسط كل هذا العشق، لم تدر ظهرها لأصولها المغربية، من خلال حرصها على الاستماع للموسيقى المغربية بكل تولويناته لتكون شخصية فنية متكاملة.
ليست الموسيقى المغربية حبيسة الفنون الكلاسيكية، بل إن مجموعة ألمانية غنائية تدعى “دسيدنتن” كانت تنهل من الموروث الغنائي المغربي في زمن الموجة الغنائية، إذ وضعت يدهما على أجمل أغاني مصطفى أهباض زوج سكينة الصمدي عضو فرقة جيل جيلالة، حين أعادت توزيعها على نحو جديد مع تعديل كلماتها طبعا دون ترخيص من صاحبها الذي رفع دعوى قضائية ضد الفرقة الألمانية التي سبق أن شاركت في موازين والبوليفار.
بومدين وبطيوي نجمان في مطبخ الألمان
يعتبر بومدين زاوزاو من أقدم الطباخين المهنين، حل بأوروبا عام 1972، وهو متخصص في الطبخ الإيطالي والألماني والاورومتوسطي، بعد أن بسط سيطرته في هذا المجال وأصبح يمتهن هذا الفن في مطاعم بفرانكفورت وبأفخم الفنادق بأوروپا، كما يتكلف بالتحكيم وتنقيط مستوى الطبخ في عدة مؤسسات. كما يقدم عدة ورشات ودروس في الطبخ بسويسرا والنمسا وألمانيا خصوصا مع المكتب المغربي الوطني للسياحة.
وإذا كان المطبخ المغربي قد عرف العالمية وسجل حضورا وازنا بالنظر لتنوع مكوناته وعراقة أطباقه، إلا أن هذا المكون الأساسي لصورة المغرب في العالم استطاع ان يشد إليه الأنظار بشكل استثنائي الأسبوع الماضي بفضل طباخ مغربي شاب مقيم في ألمانيا، فتح أبواب العالمية للمطبخ المغربي ومكنه من التتويج بأرفع اعتراف عالمي رسمي في مجال فن الطبخ.
نشأ فيصل بطيوي، الطباخ المغربي مهني الذي يشرف على مطعم على مشارف نهر الراين، وحصل على نجمة ميشلان التي تمنح للطباخين الفائزين بها مكانة مرموقة في مجال فن الطبخ، علما أن أولى علاقته بالطبخ كانت في الولايات المتحدة الأمريكية، وبالضبط في ميامي، حيث كان يحضر دراساته العليا في البيولوجيا في جامعة فلوريدا الدولية، قبل أن يقرر التفرغ لهوايته في الطبخ وينتقل إلى ألمانيا سنة 2015 ليستهل مغامرته المهنية هناك على رأس واحد من أعرق مطاعم المدينة “التاج”، ويدخله أربع سنوات بعد ذلك في قائمة المطاعم المتوجة بنجمة ميشلان الذهبية.
هكذا ساهمت إينغريد حرم السفير المغربي في ترجيح كفة المغرب
قبل ثلاثة أشهر مضت ودع المغاربة زوجة الرئيس السابق للوداد المرحوم عبد الرزاق مكوار، كان نصيب “إينغريد” بضعة سطور في ركن التعازي من باب واجب العزاء، بينما وريث الفقيدة الثرى في جنازة بسيطة ودفنت في تربة هذا الوطن.
لعبت هذه السيدة الألمانية دورا مفصليا في قضية وحدتنا الترابية، حين قرر الملك الحسن الثاني تعيين زوجها عبد الرزاق مكوار سفيرا للمغرب في لاهاي، ففي هذه المدينة الهولندية كانت قضية الصحراء تطبخ على نار هادئة. ربطت “إينغريد” علاقة صداقة مع زوجة القاضي الذي يتأبط ملف القضية نسجت الزوجتان خيوط علاقة مؤثرة في مسار الملف، فهما معا يحملان الجنسية الألمانية ويعيشان حياة الغربة بتفاصيلها القاسية في لاهاي. ساهمت “إينغريد” في انتزاع اعتراف الهيئة القضائية عبر زوجة رئيس الجلسة. وبعد المداولة كشفت زوجة قاضي محكمة العدل الدولية لزوجة السفير المغربي عن الحكم قبل صدوره رسميا.
فطن السفير لأمر هام، حين علم بأن القاضي الذي يتأبط ملف الصحراء هو ألماني الجنسية، وكان يقطن في سكن غير بعيد عن مقر سكنى السفير المغربي، وحين علم أن زوجة القاضي تحمل بدورها الجنسية الألمانية، طلب من زوجته إسداء خدمة للمغرب وقال لها إن زوجة القاضي من بلدك، أدعوك إلى ربط علاقة صداقة مع مواطنتك، ونسج علاقات إنسانية معها فهي تقتسم معك الغربة في هذه المدينة، وافقت إينغريد على المقترح “الوطني”، وأصبحت صديقة لزوجة القاضي، قبل أن تفاجئها ذات يوم بالحوار التالي:
– زوجك القاضي سيقرر اليوم في مصير ملف الصحراء الذي يهم المغرب، أريد أن أعرف القرار، لأن علاقتي متوترة مع زوجي وأبنائي يريدون معرفة مصير القضية.
كان الحسن الثاني يتابع عبر سفيره مكوار في لاهاي تفاصيل قضية الصحراء، قبل أن يعرف عبد الرزاق من خلال زوجته فحوى القرار الذي أقر بوجود علاقات ترابية ووجدانية بين المغرب والصحراء، ركب أول طائرة وهو يحمل الخبر السعيد للملك، واستغل الفرصة لمتابعة مباراة جمعت الوداد بالفتح الرباطي وفي المنصة الرسمية همس في أذن صديقه اجضاهيم قائلا: “كسبنا الرهان”.
انتهت مهمة مكوار في هولندا بعد الفوز نتيجة وأداء بمباراة ديبلوماسية في غاية الأهمية، لعبت فيها حرم السفير دورا كبيرا في حسم نتيجتها قبل بلوغ ضربات الترجيح، لكن السيدة الفاضلة اختارت أن تبقى في الظل وتفسح المجال لأشباه المناضلات للحديث عن غزوات سياسية أشبه بحكايات أفلام الكارتون.
في اليوم الموالي ركب مكوار الطائرة، متوجها إلى المغرب لإشعار الملك الحسن الثاني بتسريب الحكم، وكشف له عن دور زوجته الألمانية في المعرفة الاستباقية للحكم، شكر الملك سفيره، لكن هذا الأخير لم ينم منذ أن عاد من القصر، فقد كان يخشى صدور حكم مخالف لما قاله للحسن الثاني، ولم تنفرج أساريره إلا يوم 16 أكتوبر 1975، حين أعلنت محكمة العدل الخاصة عن قرارها النهائي الذي ينسجم مع التسريبات.
قصة اعتناق “هوفمان” سفير ألمانيا في المغرب للإسلام
ولد فيلفريد هوفمان عام 1931 في أشافنبورغ، وهي بلدة كبيرة في شمال غرب بافاريا، نشأ داخل عائلة كاثوليكية. اشتغل هوفمان في وزارة الخارجية الألمانية من 1961 إلى 1994، وكان متخصصا في القضايا المتعلقة بالدفاع النووي، كما عمل مديرا للمعلومات في منظمة حلف شمال الأطلسي في بروكسل في الفترة من 1983 إلى 1987، وسفيرا لبلاه لدى الجزائر من 1987 إلى 1990، ثم سفيرا في المغرب من 1990 إلى 1994.
في مقتبل عمره تعرض هوفمان لحادث مرور مروِع، فقال له الجراح بعد أن أنهى إسعافه: “إن مثل هذا الحادث لا ينجو منه في الواقع أحد، وإن الله يدخر لك يا عزيزي شيئا خاصا جدا”، وحين اعتنق الإسلام في سبتمبر 1980، استحضر هذه الواقعة، إلا أن وزارة الخارجية لم تقلص من مهامه بل مكنته من مناصب سامية بالرغم من عاصفة من الجدل التي أثيرت بسبب اعتناقه الديانة الإسلامية.
حصل هوفمان على شهادة الدكتوراه في القانون من جامعة هارفارد، وتزوج من سيدة تركية، بل إنه كان يقيم قبل وفاته في تركيا، قال هوفمان، الذي أصبح اسمه الشخصي مراد وهو يتذكر أولى خيوط التعبئة الروحية.
لكن الحدث العالق بذهن الديبلوماسي الألماني، هو إصابة زوجته بنزيف وهي في العاصمة الجزائرية والبلاد تحت قرار حظر التجول، تأخرت سيارة الإسعاف واستنجد بسائق جزائري لإيصاله إلى المستشفى، كان السائق الجزائري يسمع أنينها، فعرض أن يتبرع لها ببعض من دمه الذي هو من نفس فصيلة دمها. “ها هو ذا المسلم يتبرع بدمه، في عز الحرب، لينقذ أجنبية على غير دينه”.
كان مراد يفضل قضاء شهر رمضان في مكة كما كانت تستهويه مدينة فاس، وفيها انكب على كتابة بعض المؤلفات التي عرفت أعلى نسبة مبيعات، “يوميات مسلم ألماني”، و”الإسلام عام ألفين”، و”الطريق إلى مكة”، وكتاب “الإسلام كبديل” الذي أحدث ضجة كبيرة في ألمانيا.
بلعربي اللاعب المغربي الذي صنع أفراح جمهور الكرة
صنع كريم بلعربي، لاعب بايير ليفركوزن الألماني لكرة القدم، أفراح الألمان، وعاش صراعا خفيا بين الرغبة في حمل قميص المنتخب المغربي وبين الانتماء إلى كتيبة الألمان، وحين كان يخلد للنوم تتراقص أمام عينيه دروب الدار البيضاء، قبل أن يتذكر فضل ألمانيا عليه، ليحسم الموقف ويقرر حمل قميص الماكينة الألمانية. كريم لم يولد من أب غاني كما ذهبت إلى ذلك بعض وسائل الإعلام، بل هو مغربي أبا عن جد، من والد اسمه يونس بلعربي، ابن مدينة الدار البيضاء، هاجر إلى الديار الألمانية، بداية تسعينيات القرن الماضي، وتزوج من ألمانية اسمها إيفن، وكتب أولى سطور الاغتراب.
قال حفيظ بلعربي، عم لاعب باير ليفركوزن، إن وسائل الإعلام اختلط عليها الحابل بالنابل، بعد وفاة يونس بلعربي، والد كريم، مع بداية الألفية الثالثة وتحديدا سنة 2003، ولم يكن عمر كريم آنذاك يتجاوز خمس سنوات، خاصة أن والدته الألمانية تزوجت في ما بعد من غيني قاطن بألمانيا، تكلف بتربية كريم، إلى جانب ثلاثة أبناء أنجبهم من زوجته الألمانية.
برز اسم كريم بلعربي بشكل لافت هذا الموسم مع فريق باير ليفركوزن في الدوري الألماني لكرة القدم. فبعدما كانت تحوم الشكوك في البداية حول قدرة هذا اللاعب، ذو الأصول المغربية، على فرض نفسه في التشكيلة الرسمية لليفركوزن، نجح بلعربي في أن يصبح في وقت وجيز أبرز لاعب في الفريق.
وأمام التألق اللافت لهذا اللاعب البالغ من العمر 24 عاما، وجه المدير الفني للمنتخب الألماني يواخيم لوف الدعوة له للانضمام للمانشافات، لتفتح أمام بلعربي فرصة التألق دوليا بعد أن فرض نفسه محليا.
في المجال الرياضي برز أبطال مغاربة آخرون خاصة في الفنون القتالية، منهم من حمل قميص المنتخب الألماني ومنهم من رفض وتمسك بمغربيته أبرزهم مصطفى لخصم وأبوبكر زعيتر.
الجندي الألماني الذي انضم لجيش الخطابي وأشهر إسلامه في الريف
تستحق سيرة جوزيف أوطو كليمس التوقف عندها، فقد حل هذا الشاب الألماني بالمغرب متطوعا في الجيش الفرنسي، وانتهى به المطاف في جيش مغربي مدافعا عن الريف، وحين استأنس بأجواء المغرب نال لقب الحاج لاليمان، أي “الألماني”.
ولد جوزيف عام 1893 في مدينة دوسلدورف، التحق بالجيش الألماني في سن العشرين، وغادر ألمانيا سنة 1914 متطوعا في الفيلق الأجنبي الفرنسي بموجب عقد يمتد لخمس سنوات. أُرسل جوزيف إلى الجزائر قبل أن يعين ملحقا بالحامية العسكرية الفرنسية في مدينة مكناس سنة 1916. ونظير شجاعته وانضباطه، رقي سنة 1920 إلى رتبة عريف ووقع للجيش الفرنسي التزاما جديدا لخمس سنوات أخرى.
يقول الباحث المغربي مصطفى أمزيز، إن كليمس كان متذمرا من الأجواء داخل الثكنات الفرنسية، مشيرا إلى أن وخزة الضمير حصلت يوم 23 غشت 1922، “استفاقت كتيبته على خبر اختفائه مع ثلاث بنادق آلية، فيما كان هو قد اختار الفرار إلى الجبهة الأخرى، إلى مقاومة الأطلس بآيت بازا حيث سيَذيع صيته بين المجاهدين بعد إسلامه، ثم نجاحه في التخطيط لهجوم خاطف على قاعدة للجيش الفرنسي في بلدة ميسور والاستيلاء على كم مهم من الأسلحة والذخائر، ما جعل السلطات الاستعمارية الفرنسية تخصص مكافأة مالية مهمة لمن يأتي لها برأسه حيا أو ميتا، لكن قدر الرجل سيعرف اتجاها آخر أكثر إثارة مع التحاقه بجيش محمد بن عبد الكريم الخطابي في الريف”.
مباشرة بعد انتهاء معركة أنوال عام 1921، مخلفة هزيمة مدوية للجيش الإسباني غنمت خلالها المقاومة الريفية عتادا كبيرا، تم الاتصال بكليمس، وهو في جبال الأطلس، بوساطة مهربي الأسلحة الألمان، الذين دعوه للالتحاق بالأمير، وما كادت السنة تدور دورتها حتى كان اللقاء المرتقب بين الأمير الخطابي وكليمس بِـ”أجدير” عاصمة الريف، وبرفقته خمسة ألمان وفرنسيان من الهاربين من كتيبة الأجانب في الجيش الفرنسي.
أبان العسكري الألماني عن خبرة واسعة في استراتيجية حرب الجبال، لكن نقطة قوته تكمن في المسح الطوبوغرافي الذي كان شيئا جديدا لدى المقاومين المغاربة، كما عهد إليه بالترجمة بل كان يحضر الاجتماعات العسكرية دون أن يخامر القيادة أي شك، كما قام بتوثيق الأعمال القتالية عبر التصوير الفوتوغرافي، فدشن الإعلام الحربي في زمن كانت فيه المعارك تتم في صمت إلا ما صدر من بيانات.
تزوج جوزيف بفتاة ريفية من كزيانة تدعى ميمونة، رزق منها بطفلين، رافقته شريكة حياته في أصعب منعرجات حياته، خاصة وأنه قضى شهورا طويلة يواكب صمود المقاومة أمام الزحف العسكري لنحو نصف مليون مقاتل إسباني وفرنسي.
مصطفى السوسي يبهر الألمان في سريك بالأبيض والأسود
حسب الكاتب المغربي أحمد حرمة، فإن أول عرض موثق للمغاربة في سيرك ألماني يرجع لسنة 1852 بفضل أرنست رينز الذي كان يلقب بملك السيرك، والذي جلب إلى ألمانيا فرقة من طائفة أولاد احماد أوموسى المعروفة بالمغرب بحركات أعضائها الرياضية الرشيقة، والتي كان يرأسها مصطفى بن محمد السوسي. وفي سنة 1862 اشتهرت بألمانيا فرقة مغربية من بناة الأهرامات البشرية والقفز سميت بفرقة “الطوارق ـ عجائب الصحراء” و”كانت مكونة من سيدي الحاجي المباركي، محمد بن علي، حبيبي بن محمد، امبارك بن الحسن، عبي بن محمد، الهادي إبراهيم بن محمد، عبد الله بن حامن، محمد سهير، مسمن بن مبارك، عمار صغير، عروش بن عديج، وفي نفس الوقت اشتهرت فرقة تقوم بمشاهد القفز العربي على الخيول. في سنة 1892 فقد اشتهرت فرقة الهادي عبد الله، ومنذ ذلك التاريخ أصبح المغاربة جزءا لا يتجزأ من السيرك العالمي والألماني منه على الخصوص”.
اكتشف المستشرقون الألمان فرقة “أولاد احماد أوموسى” وعملوا على دراسة عادات أفرادها وطريقة عيشهم، وهكذا قام الباحث المتخصص في الشؤون الإفريقية غوستاف ناختيغال سنة 1870 بالسفر رفقة بعض أعضاء الطائفة وقام بوصف رحلته معهم، ودراسة بنياتهم الاجتماعية في كتاب ألفه حول الموضوع.
حسب بول باسكون، فإن معظم المغاربة لا ينازعون في أن هذه الطائفة من البهلوانيين قد نالت البركة على يد الولي الصالح سيدي حماد أو موسى صاحب المذهب الصوفي المشهور في جنوب المغرب. “صار أعضاء هذه الفرقة يتفنون في القفز والرياضة وخاصة بناء الهرم البشري، ولقد ظهر هؤلاء البهلوانيين على خشبة السيرك الألماني سنة 1852 عندما استقبل أرسنت رينز ملك فن السيرك في ألمانيا فريقا مكونا من 12 لاعبا فأطلق عليهم اسم “الطوارق”، الذين سيصبحون بعد فترة قصيرة من أهم الدعائم الكلاسيكية للسيرك الألماني”.