صناع التاريخ
يا لها من لحظات مفرحة.. يا لها من مشاهد تقشعر لها الأبدان.. لحظات جمعت بين الفرح والدموع.. وبين الانتصار والفخر.. مشاعر متبدلة متناقضة بين تحقيق حلم كروي طال انتظاره من طرف العرب والمسلمين لعقود. لذلك لم يكن فوز المنتخب المغربي على نظيره الاسباني مجرد انتصار يقود الفريق المنتصر إلى ربع النهاية، بل لحظة لصناعة التاريخ، ومناسبة وطنية جعلت ملك البلاد يخرج بسيارته الخاصة، لمشاركة المغاربة فرحتهم المستحقة، ليثبت هذا المشهد الوطني الذي اجتاح كل شبر من ربوع الوطن، بأن ما حققه «أسود الأطلس» وصناع التاريخ أكبر من مجرد لعبة لكرة القدم.
وتبقى الإشارة إلى أن حدث الانتصار على جيراننا الإسبان لا يصنع التاريخ في حد ذاته، وإن سُجل في مدوناته، لكن مَنْ يصنع التاريخ هو الذي سيظل في ذاكرة المغاربة، وهؤلاء هم لاعبو المنتخب وإدارة الفريق والجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، والجمهور المغربي الذي كان بمثابة اللاعب رقم 1، ولم يتردد ولم يشك لثانية واحدة في قدرة منتخبنا على كتابة التاريخ من جديد.
والحقيقة أن صناعة التاريخ الكروي كما الدبلوماسي والأمني أصبحت «ماركة»، فأول أمس كتب المنتخب المغربي تاريخا جديدا للكرة المغربية والعربية، بعد تأهله إلى دور ربع النهائي من كأس العالم، ليصبح أول فريق عربي يحقق هذا الإنجاز. وقبل ذلك بـ36 سنة صنع منتخبنا التاريخ، بعد أن كان أول منتخب عربي وإفريقي يتأهل إلى دور ثمن النهائي، بمونديال المكسيك عام 1986. والأكيد أنه ما زال في جعبة هذا البلد الضارب في التاريخ ما يقدمه للعالم، فإذا كانت قطر قد شرفت العالم العربي والإسلامي بحسن تنظيم كأس العالم، فإن المغرب تكفل بالدفاع عن صورة العرب والمسلمين والأفارقة والأمازيغ كرويا، أمام أعتى المنتخبات التي كان مجرد مواجهتها في سابق الأزمنة تعد إنجازا في حد ذاته.
إن الدروس التي قدمها المنتخب المغربي من المونديال مهما كانت نتيجة مباراته المقبلة لا تعد ولا تحصى، هزم المنتخب البلجيكي، المصنف الثاني عالميا، ومن أبرز المرشحين للفوز في البطولة، وتعادل في مباراة دراماتيكية مع الفريق الذي لعب نهاية كأس العالم الماضية، فاز على منتخب كندا وهزم المنتخب الإسباني الذي يعج بالنجوم والبطولات، وهذا الدرس يعني شيئا واحدا، ما دمت مغربيا فلا تستصغر نفسك وآمن بقدراتك، ولا تستسلم لحسابات الأرقام، وحافظ على الأمل إلى آخر اللحظات.