شوف تشوف

الافتتاحية

صكوك الوطنية

خرج الزفزافي الأب ليتهم كل من سيشارك في الانتخابات المقبلة بالخيانة للوطن والتاريخ و «الحراك الشعبي والشهداء»، ومثل هؤلاء الأشخاص يعتقدون أن الوطنية والخيانة صكوك في يد كل من هب ودب يمنحها من يشاء ويسقطها عن من يشاء. وما يجهله أمثاله هو أن الوطن للجميع والوطنية ليست للمزايدات، والمشاركة من عدمها في الانتخابات والاستفتاءات اختيار وقناعة وحرية شخصية وحقوق دستورية.
لم نكن نعلم أن درجة الحقد والكراهية للمؤسسات ستصل بهؤلاء إلى درجة نزع أثواب الوطنية من على أجساد المغاربة فقط لأنهم قرروا المشاركة الانتخابية للتعبير بصوت مرتفع عن آرائهم وإبداء أصواتهم مما تعيشه البلد في مناحيها السياسية والاجتماعية وحتى الاقتصادية، فجرى تخوينهم أو رميهم بالانتقادات التي تطعن في نواياهم وتشكك في خلفياتهم. وليعد الزفزافي إلى التاريخ، وبقليل من التواضع الذي لا يملكه، وقليل من «الحشمة» السياسية سيجد أن شخصيات تاريخية أكبر منه وزنا ومرتبة، كانت أشد شراسة في المعارضة والمقاطعة، لكنها لم تلجأ أبدا لقاموس التخوين والفجور على التصريحات وفي المقالات وفي وسائل التواصل الاجتماعي.
ولا نعتقد أن هناك شخصا يملك درة من العقل يستطيع أن يخون 17 مليون مسجل في اللوائح الانتخابية أو 8 ملايين مغربي يستعدون للذهاب لصناديق الاقتراع، إلا إذا كان ذا مصلحة، أو يقوم بخدمة أجندة معينة، فأن يخوّن الزفزافي الأب جزء من المغاربة لأنهم يمارسون حقهم الدستوري، أو لأنه وأمثاله لا يستطيعون التنافس الانتخابي لفرض تصوراتهم بالطرق السلمية، ولا يملكون القدرة على إبداع اقتراحات تعوض الانتخابات، فهذا لا يمكن تصنيفه البتة ضمن حرية التعبير والرأي، لأنك عندما ترمي شخصا بالخيانة فأنت هنا لا تمارس رأيا، بل تقوم بجريمة الشتم والقذف العلني المفضي لارتكاب أعمال عنيفة في حق «الخائنين».
الاختلاف بين أغلبية المغاربة وبعض الفئات في المحطات الانتخابية حول المشاركة والمقاطعة ليس أمراً مستجداً، وأغلب الظن أن الواقع السياسي المغربي سيستمر على هذه الحالة للانتخابات المقبلة، ولكن الانقسام والاختلاف في الرأي السياسي من الجدوى من الاستحقاقات شيء واتهام المشاركين في الاستحقاق بالتخوين والعمالة شيء آخر تماماً.
من حق الزفزافي وبعض التنظيمات أن تدعو لمقاطعة الانتخابات، لكن ماذا يقدم أصحاب هذه الدعوات كبديل للمغاربة مقابل الانتخابات لبناء مؤسسات الدولة؟ طبعا لا شيء، هم يريدون فقط الدفع بالدولة نحو التأزيم وخلق سياق التوتر وخلق الفوضى والفراغ المؤدي للمجهول. ومثل هذا التوجه يخدم خصوم المغرب الذين يترصدون انهياره للانقضاض عليه.
وفي الحقيقة إذا كان ثمة ما يفسّر دعوات المقاطعة، فهو وصول بعض التنظيمات والوجوه إلى الأفق المسدود، في السياسة وغير السياسة. مما يكشف عن جهلهم بالسياقات الإقليمية والدولية التي يعيش وسطها المغرب، أو ربما علمهم بحساسية هذه السياقات ونيتهم المبيتة في دفع المغرب نحو المجهول. وهذا لعمري قمة الخيانة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى