صفاقة نظام وابتزاز دولة
لا يمكن أن ننعت البلاغ الأخير للمجلس الأعلى للأمن الجزائري بكيل اتهامات خطيرة للمغرب سوى بالانحراف الخطير، فقد ظل المغرب طيلة السنوات الأخيرة يتحمل الاستفزازات المتتالية للرموز المدنية والعسكرية لقصر المرادية بصبر دبلوماسي، مادام أن تلك الاستفزازات لا تتجاوز حدود كلمات في افتتاحية لمجلة الجيش أو عناوين بلطجية في الاعلام العسكري أو حوارات بهلوانية للرئيس تبون أو خطابات كوميدية للعجوز شرنقيحة، لكن اليوم نحن أمام انحراف مؤسساتي خطير سيكون له ما بعده، فالاتهامات غير المسبوقة تجاه بلدنا بالوقوف وراء حرائق تيزي وزو وقتل وحرق الشاب جمال بن اسماعيل ودعم حركة «الماك» التي يصنفها النظام الجزائري كحركة إرهابية صدرت هذه المرة في بلاغ رسمي عن مؤسسة دستورية عليا هي المجلس الأعلى للأمن، النواة الصلبة للنظام السياسي بالجارة الشرقية.
رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون ووزير دفاعه شرنقيحة وبطانته من قادة العسكر، الذين يجثمون على رقاب الشعب الجزائري، يأبون من خلال بلاغهم المتهور إلا إدخال المنطقة في جحيم النزاعات واللاإستقرار، جراء عقيدة الكراهية والحقد التي تتحكم بأفكارهم وممارساتهم، وعقل محكوم بوهم القوة والتفوق والهيمنة، والقدرة على فرض الأمر الواقع. فالإصرار على خلق التوتر وكيل الاتهامات الخطيرة للجيران، هو جزء من هذا العقل العسكري الذي يرى أن بمقدوره أن يفعل ما يشاء متى يشاء من دون حساب لردة الفعل المغربي الذي تحمل طويلا حماقات جار لا تنتهي.
لم نكن نتوقع يوما أن تنتج الجزائر في ظل نظام عسكري متعصب ويتغذى على التوتر للبقاء في الحكم والتغطية على عجز شرعيته، خطاب دولة مسؤولة فهذا مطلب ظل بعيد المنال إن لم نقل مستحيلا في ظل القيادة الحالية، وكنا على يقين أن سياسة اليد الممدودة التي يدعو لها بدون كلل أو ملل ملك المغرب لن تجد صدى لدى عسكر الجزائر لأنها تسقط الأوهام المؤسسة لشرعيتهم، لكن لم نكن نتوقع أيضا أن تصل صفاقة نظام وابتزاز دولة إلى هذا المستوى المتدني في تاريخ الدولة الجزائرية، نعم يمارس تبون ومن معه بإقدامه على رمي المغرب باتهامات خطيرة لعبة الابتزاز وهي لعبة خطيرة، لا يقدم عليها إلا المجانين الذين لا يحسبون نتائج أفعالهم، ولا يقدرون عواقب الأمور.
ربما لم يقرأ عقل «الكابرنات» الذي يبحث عن اختلاق أزمة عسكرية مع المغرب، لتصدير أزماته الداخلية التي لا يستطيع تقديم أجوبة بشأنها، التاريخ جيداً، بأن كل المواجهات بين الشقيقين التي أجبر عليها المغرب لم يكن فيها رابحا من الطرفين، وبأن طبول الحرب التي يدقها عسكر المرادية لا تعكس قوته بل تظهر حقيقة جبنه وهشاشته، فقد علمتنا التجارب أن الكلب الذي يكثر النباح لا يقوى على العض. ولذلك نقول للجزائر هددوا ما شئتم، فسكوتنا عن نظام لئيم هو الجواب، والمغرب ليس عديم الرد أو يهاب المواجهة، لكن ما من نظام عاقل يجيب على مجنون يحتاج إلى العلاج وليس إلى مواجهة حربية، وليفهم حكام الجزائر أن المغرب لن يساير حماقاتهم ولن يقدم لهم طوق نجاة من ورطتهم الداخلية، ولن يكون أبدًا فرصة للتنفيس عن وضعهم المختنق.
ومع ذلك فإن ما أقدم عليه المجلس الأعلى للأمن هو قرار سيادي متهور وأرعن وطائش، وبدون شك فالمؤسسات المغربية أخذت علما بهذا الانحراف الخطير وحالة اللايقين التي يعيشها النظام الجزائري. وستستخلص منه كل التبعات والاحتمالات الممكنة مع نظام فقد كليا السيطرة على أعصابه.