صحافة تموت في صمت
في الثالث من ماي سنويا تخلد قبيلة الصحفيين اليوم العالمي لحرية الصحافة، الذي شكل تاريخيا محطة لقياس منسوب الحرية والاستقلالية والقدرة على مقاومة الصعوبات في تقديم الخدمة الإعلامية، وإذا كان من الصعب في بلادنا أن نصنف هذا اليوم في مصاف الأعياد بالنسبة إلى الصحافة والصحفيين، فإنه تحول إلى ذكرى سنوية حزينة للطم والجلد الذاتي، لسبب بسيط أن حالة الصحافة عموما، والصحافة الورقية على وجه الخصوص، تعيش أسوأ أيامها، ومستقبلها قاتم والصورة سوداوية، أمام ما تبقى من مقاولات إعلامية معدودة على رؤوس الأصابع تقاوم من أجل البقاء، والتخوف هو أن تلحق مقاولات أخرى بتلك التي سبقتها إلى الإقفال، وتشريد مئات الصحفيين والمحررين والمصورين والتقنيين.
إن ما يجري للصحافة المكتوبة في الحقيقة هو جريمة مكتملة المعالم، وللأسف تجري هاته الجريمة في صمت، لكن أمام أعين الجميع، فقد صارت وفاة منبر إعلامي وإغلاق أبوابه بعد عقود من العمل اليومي المستمر، خبرا صغيرا لا يثير إلا الأسف العابر وردود فعل لا تتعدى الكلام الذي سرعان ما يسقط في النسيان، حتى تحول دفن جرائد إلى جزء من الواقع الإعلامي العادي.
سيكون من الخطأ الاعتقاد أن زمن الصحافة الورقية ولى وأن الحاضر والمستقبل هو للصحافة الرقمية، فالمتنبئ بهذا المصير كمن يتوقع نهاية وجود الكتاب الورقي في المكتبات والمعارض. والواقع أن الصحافة تعاني من أجل البقاء، ولربما لا تبيع كل الجرائد الموجودة أكثر مما كانت تبيعه جريدة واحدة، قبل عقد من الزمن، وهذا الأمر لا نعتقد أن المسؤولية يتحملها القارئ أو الصحفي لوحدهما، بل هي مسؤولية جماعية، مرتبطة بتمثل رسمي للأدوار الصحفية في نظامنا الاجتماعي والسياسي، وكذلك لمهنيين لم يواكبوا تطور مهنة صناعة الصحافة الورقية، ولتوزيع مختل، وأيضا لقارئ دفعه وضعه الاجتماعي إلى اعتبار اقتناء عدد من الجريدة ترفا لا تتحمله توازناته المالية.
صحيح أن الصحافة سلطة مستقلة، لكن من واجب الدولة في زمن الأزمات أن تتدخل لإيجاد حل سريع يحمي ما تبقى من المقاولات الصحافية، سيما الورقية منها، لا أن تعلن الأسى والحداد على وفاتها. فالدولة قبل غيرها تعلم أن الصحافة الورقية تعيش وتتنفس وتنتعش بفضل مورد الإشهار، الذي يبلغ رقم معاملاته 3 مليارات درهم، لا يتبقى منها للصحافة الورقية بكل أطيافها سوى 5 في المائة، أي الفتات.
وخلال رمضان الذي ودعناه لم يكن نصيب الصحافة الورقية من الكعكة الإشهارية سوى 2,5 في المائة، الباقي كله التهمه التلفزيون والراديو واللوحات الإشهارية.
فكيف إذن يطلبون من الصحافة الورقية أن تستمر في البقاء على قيد الصدور، إذا كانوا يقطعون عنها أنابيب الأكسجين، ولا يتركون سوى أنبوب صغير لتتنفس من خلاله جميع الجرائد الورقية؟