شيخوخة المجتمع
لقد انخفض متوسط عدد أفراد الأسرة بالمغرب، حسب تقارير المندوبية السامية للتخطيط، من 4,6 إلى 3,9 أفراد بين 2014 و2024 على المستوى الوطني، ومن 4,2 إلى 3,7 أفراد بالوسط الحضري مقارنة بـ5,3 إلى 4,4 أفراد بالوسط القروي، وذلك في ظل استمرار تآكل قاعدة الهرم السكاني وتقلص نسبة الشباب، التي تمثل الأساس المتين والقوي، فضلا عن تراجع نسبة الولادة بشكل عام.
يجب اتخاذ تدابير استباقية في ملف شيخوخة المجتمع، التي أطلت برأسها لتعلن انقلاب الهرم السكاني رأسا على عقب في المستقبل القريب، لأن الأمر يطرح تحديات كبيرة، أبرزها عجز كبار السن من السكان عن الإنتاج وإصابتهم بالأمراض المزمنة، والحاجة إلى الرعاية الصحية والاجتماعية وفق معايير خاصة، فضلا عن مشاكل ملايير التغطية الصحية بشكل عام.
لقد بحت حناجر العديد من الأصوات الصحافية والمهتمين بدراسة تطور المجتمع المغربي، وهي تنادي بالعمل على استمرارية توازن الهرم السكاني، والاهتمام بمعالجة حقيقية لتبعات تأثير المشاكل الاجتماعية والاقتصادية على الخصوبة بالمغرب، والعزوف عن الزواج، بسبب البطالة، وتراجع الولادة، بسبب المشاكل المادية ومتطلبات الحياة، وضعف الأجور الشهرية، وغياب الإحساس بالاستقرار.
نحن الآن أمام تقارير رسمية، تحذر من تبعات ارتفاع نسبة الشيخوخة، والكلفة لا شك ستكون كارثية على الإنتاج بالقطاعين الخاص والعمومي، وتعقيد هواجس إفلاس صناديق التقاعد والتغطية الصحية، ما يستدعي وقفة تأمل طويلة، ومراجعة إهمال الحكومات المتعاقبة للاستثمار في فئة الشباب، وتركهم فريسة سهلة للبطالة وغياب التكوين، والعزوف عن الزواج، وارتفاع نسبة الطلاق، والهدر المدرسي، والإدمان والتطرف، والهجرة السرية والقانونية.
لا مناص من التفكير الجدي في رسم استراتيجيات واضحة للتعامل مع التحديات التي ترافق شبح شيخوخة المجتمع، والعودة للاستثمار في الشباب باعتبارهم أساس الهرم السكاني، ودعم التنمية والتشغيل والإنتاج، وحماية الأسرة من عواصف التفسخ والتفاهة والتفكك الأسري، وبناء مجتمع قوي بتماسكه واعتزازه بتاريخه وقيمه النبيلة، ووضع سياسات مالية واضحة لتدبير ارتفاع نسبة المسنين، مع كل ما يحتاجونه من رعاية بصفة عامة.