شوف تشوف

الرأيالرئيسية

شهر الزلازل

شهر فبراير موعد مفضل للزلازل. في تركيا، يصنفون زلزال أمس، الاثنين، واحدا من أعنف الهزات الأرضية التي ضربت البلاد في السنوات الأخيرة على الأقل.

أودى الزلزال بحياة 300 ضحية في المنطقة الحدودية بين تركيا وسوريا، جنوب شرق تركيا تحديدا، حيث سقط أغلب الضحايا في سوريا.

76 مواطنا تركيا ماتوا في الزلزال موزعين على سبع محافظات، فيما السوريون فقدوا أكثر من 230 ضحية في منطقة تابعة لسيطرة الحكومة.

بعيدا عن أرقام وكالات الأنباء، نقل المراسلون الدوليون الذين كانوا وراء التغطيات الميدانية للإعلام الدولي حتى الآن، مشاعر الألم والأسى في المنطقة الحدودية، خصوصا في منطقة النفوذ السوري حيث سُجلت أغلب الخسائر.

 في الأخير، الزلزال لا يعترف بالاتفاقيات ولا بترسيم الحدود، والصفائح لا تستأذن الحكومات، ولا الأمم المتحدة ولا اتفاقيات الجمارك، عندما تريد أن تتزحزح.

ورغم خلافات الاتحاد الأوروبي مع الحكومة التركية، إلا أن فرق الإنقاذ سُخرت لكي تساعد الأتراك في البحث عن ناجين وتفقد الأنقاض. بينما في سوريا، البلد الأكثر تضررا من الزلزال، لم تصل أي أخبار لحد الآن عن مساعدات من هذا النوع لتقديم المساعدة للعائلات المنكوبة.

السوريون أنهكتهم الحرب والأزمة الاقتصادية الخانقة، وغير المسبوقة، وسوف تزيد تداعيات الزلزال من معاناتهم بكل تأكيد.

الزلزال الأخير أعاد إلى أذهان الأتراك ذكريات أليمة لزلزال 1999 المدمر الذي حصد وقتها 17 ألف ضحية، إلا أن الزلزال الأخير، رغم أنه لم يسجل سوى سبعين وفاة إلى الآن، إلا أنه يبقى الأعنف في السنوات الأخيرة على اعتبار قوة الهزة.

في فبراير 1960، عندما ضرب الزلزال المدمر مدينة أكادير، صُنف وقتها واحدا من أعنف الكوارث الطبيعية في القرن، وسُخرت قوات الإنقاذ من أوروبا وأمريكا لانتشال الجثث من بين الأنقاض وتقديم المساعدات الطبية والإنسانية للناجين، والتكفل بآلاف الأطفال الأيتام الذين فقدوا أسرهم ومُعيليهم تحت الركام.

ثوان قليلة كانت كافية لتحويل مدينة أكادير السياحية، الوجهة المفضلة للأجانب، خصوصا الفرنسيين، إلى ركام من الإسمنت المسلح. واحتاج المُنقذون إلى أسابيع طويلة لتمشيط المنطقة بحثا عن الجثث العالقة تحت أطنان الكتل الإسمنتية.

والذين نجوا من الزلزال المميت، لا بد وأنهم يُحسون اليوم بمعاناة الأسر التركية والسورية التي تعيش اليوم على وقع الترقب مخافة حدوث هزات ارتدادية.

مئات الجرحى يوجدون اليوم في أقسام العناية المركزة في تركيا، بينما سقط أزيد من مئة مبنى، ما يعني تشريد مئات آلاف المواطنين وتوقف أنشطة الشركات والمكاتب.

بينما في سوريا، حيث سُجلت أكبر الخسائر، لا يزال الناجون تحت وقع الصدمة. حيث عدد الضحايا حتى الآن مرشح للارتفاع في ظل غياب إحصاء دقيق لأعداد الضحايا والجرحى وضعف البنية التحتية للمستوصفات المحلية في المنطقة الحدودية، والتي تعتمد أساسا في إمداداتها على إعانات المنظمات الإنسانية، خصوصا الصليب الأحمر.

وإلى حدود الآن، لم تصدر أي أنباء عن إرسال الفرق المتخصصة للبحث عن ناجين تحت الأنقاض، رغم أن الوضع كارثي في المنطقة السورية المجاورة لتركيا. إذ إن وكالة الأنباء التركية تحدثت عن احتمال وجود أزيد من مئتي مواطن سوري ينتظرون من يُخرجهم من تحت الأنقاض.

سُجلت خمسون هزة ارتدادية في تركيا، عقب الزلزال الأخير، وفي سوريا لا توجد أرقام واضحة بهذا الشأن، والسبب خراب مراكز الأرصاد بسبب الحرب خلال السنوات الأخيرة، وهو ما يعني أن الهزة قد تكون أعنف في سوريا لكنها لم تُرصد. أما المصابون، الذين تجاوز عددهم 600 مصاب حتى الآن، فقد أصبح منظرهم مألوفا لدى الأطر الطبية السورية التي تعيش في أقسام المستعجلات منذ أزيد من عشر سنوات، على وقع مناظر أفظع من إصابات ضحايا الزلزال. في النهاية، تبقى الحرب أكبر كارثة بشرية فاقت الحوادث الطبيعية.

يونس جنوحي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى