يونس جنوحي
خلال السنوات الخمس الأخيرة، عشنا زخم أخبار الاكتشافات العلمية التي تؤكد وجود أقدم أثر للوجود البشري فوق كوكب الأرض، في المغرب.
وهكذا، صار اسم جبل «إيغود» على صدر جميع المجلات والدوريات العلمية. وللذين نسوا تفاصيل هذا الخبر، فجبل إيغود موقع أثري في الجنوب الشرقي لإقليم اليوسفية، اكتشف فيه الباحثون، أثناء عمليات التنقيب، وجود بقايا عظمية بشرية، يتجاوز عمرها مئة ألف عام، وبالتالي فهي أقدم أثر على الإطلاق، يوثق لوجود الإنسان العاقل -الهوموسابيان- فوق سطح هذا الكوكب. وفتحت باب الاكتشافات العلمية مؤكدة أن الوجود البشري يعود إلى ما قبل 300 ألف سنة من اليوم.
لا توجد أي بقايا أخرى معروفة للإنسان في أي مكان آخر في العالم، ولم يتم التوصل نهائيا إلى أي بقايا أخرى أقدم من تلك التي «انتُشلت» في اليوسفية. بل واكتُشف في المغرب أيضا أقدم دليل على الحضارة البشرية، ويتعلق الأمر بأثر أقدم عملية جراحية على عظم بشري مكسور، اكتُشفت سنة 2017 في منطقة «تافوغالت»، شرقا، ويعود تاريخها إلى ما قبل 15.000 سنة. ولم يتم اكتشاف أي أثر أقدم منها، في أي مكان آخر في العالم، رغم أن عمليات التنقيب لا تتوقف حرفيا في جميع القارات والدول.
وطبعا، تفننت بعض المجلات العلمية ذائعة الصيت حول العالم في نقل الخبر، حتى أن دورية فرنسية اختارت عنوانا للاحتفال بالخبر ونقلت على صدر الغلاف عبارة معناها: «كُلنا مغاربة»، في إشارة إلى أن أصل العالم قد يكون مغربيا.
من نكون إذن؟
الجواب عن هذا السؤال أثاره المؤرخ والباحث المغربي د. الطيب بياض، الذي أصدر، بداية هذا الشهر، كتابا بعنوان: «الشخصية المغربية، تأصيل وتأويل».
يتعلق الأمر بمجهود بحثي لرصد ما أسماه د. بياض «العصارة الذهنية لتجربة إنسانية عاشها من عمّر هذا الحيز المجالي الواقع في شمال غرب إفريقيا طيلة قرون مديدة، فعل وتفاعل عبر الدهور والعصور ثم ألفى نفسه يلقب بالمغربي».
هناك فقرة تُلخص فكرة الكتاب كاملا، وتُعالج مفهوم «المغربي» الذي بقيت عظامه سجينة تربة جبل إيغود وحولت أحفاد أحفاده من «الـهوموسابيان» إلى «المغاربة».. نورد مضمونها هنا:
«صحيح أنه لم يكن يَعرف نفسه أنه مغربي أو يُعرف نفسه بالمغربي، وأن بناءه الذهني كان خاليا من أي بحث عن انتماء أو هوية بمعانيها المعاصرة، بل حتى مورفولوجية جسده كانت مختلفة إلى حد ما عن المغربي الحالي، لكن بالقدر الذي كانت تركيبة دماغه تتحول تدريجيا عبر آلاف السنين لتستقر على ما هي عليه اليوم، كان بناؤه الذهني والنفسي يتشكل في تفاعل مثمر مع المحلي والطارئ معا لنحت معالم شخصية إنسان مغرب اليوم».
الثقافة المغربية غزت فعلا العالم خلال السنين الأخيرة، وتكفي العودة إلى توظيف «المغرب» في أخبار كبريات الصحف العالمية، لنجد أننا صنعنا الصفحات الأولى لجل صحف العالم، خصوصا خلال فترة منافسات كأس العالم الأخيرة التي أقيمت في قطر. ولا يتعلق الأمر فقط بما شهدته الملاعب من مباريات، بل بالحضور المغربي في التنظيم ووقوف المغاربة وراء إطلاق الأغنية الرسمية للمنافسات، وإشراف أطر مغربية على التنظيم واللوجيستيك بل وحتى التدبير الأمني.
وقبل كأس العالم وبعده أيضا، صنع المغرب الحدث بإفشال محاولات السطو على التراث والهوية البصرية المغربية، من خلال محاولات الاستيلاء على الموروث الثقافي بما في ذلك الأطباق المغربية التي يعود عمرها إلى آلاف السنين، وتوظيف القفطان المغربي والزخرفة المغربية في المعمار من طرف دول أخرى تقدمها على أنها ثقافة محلية لديها.
هذه المحاولة البحثية تستحق فعلا أن يُسلط عليها الضوء، وتحظى بنقاش عمومي يليق بحجم الفكرة، وبمكانة «المغاربة».