شرخ في التحالف الأمريكي الأوروبي
بشير البكر
هي بداية شرخٍ كبير بين أوروبا والولايات المتحدة، بسبب التحالف الثلاثي الجديد بين أمريكا وأستراليا وبريطانيا. ومنذ أعلن الرئيس الأمريكي، جو بايدن عن ولادة هذا الجسم الجديد، لم تهدأ ردود الفعل الأوروبية، والتي تصدّرتها باريس، كونها المتضرّر المباشر، لأن التحالف يتضمّن تزويد أستراليا بغواصات نووية أمريكية، ما يعني فسخ عقد بيع فرنسا 12 غواصة تقليدية لأستراليا، جرى توقيعه في عام 2016 بقيمة 66 مليون دولار. وأحدث قرار بايدن صدمةً سياسيةً كبيرة بأوروبا، لأنه مسّ فرنسا مباشرة، وأبعد الاتحاد الأوروبي عن منطقتي المحيطين، الهادئ والهندي.
كان الأوربيون ينتظرون من الرئيس الأمريكي خطواتٍ مهمة، من أجل معالجة أخطاء سلفه الجسيمة، فإذا به يسبّب شرخا أكبر بكثير من الذي خلفته أعوام ترامب الذي كان بارعا في المناورة. والصدع الذي هندسه بايدن حصل مع فرنسا، الدولة التي تمتلك علاقاتٍ خاصة، عبر التاريخ، مع الولايات المتحدة، حتى أن باريس درجت، رسميا، على إحياء ذكرى معركة بحرية حاسمة بحرب الاستقلال الأمريكية، توّجت بانتصار الأسطول الفرنسي على الأسطول البريطاني سنة 1781.
كان لخطوة بايدن مفعول “إيجابي”، لأنها وحّدت أوروبا وأشعرت القارّة العجوز بأنها يجب أن تتحرّك للدفاع عن دورها ومصالحها، بعد أن ترهلت في العقدين الأخيرين. وأحسّت بلدان الاتحاد الأوروبي، ذات الثقل السياسي والاقتصادي، مثل ألمانيا، أنها إن لم تتخذ موقفا قويا، بوجه الولايات المتحدة، فإنها تحكم على تهميش نفسها بنفسها. الأمر الذي قد يغيّر في طبيعة العلاقات الدولية الحاصلة، ويدفع أوروبا إلى سياساتٍ أكثر استقلالية عن الولايات المتحدة.
يبرهن بايدن الذي لم يكمل بعد عامه الأول في البيت الأبيض، على أمرين هامين. الأول، أن سلفه لم يكن استثناءً في عقيدة الأحادية الأمريكية، بقدر ما هو نسخة مباشرة فجّة، على مقاس رجل الأعمال الذي يهتم بالصفقات أكثر من أي مسألة أخرى. الثاني، أن بايدن لم يخرج عن خط الرؤساء الديمقراطيين الذين كانوا أفضل من طبّق سياسات اليمين الأمريكي الانعزالي. ومنذ أن وصل للبيت الأبيض، يتنقل من مفاجأة إلى أخرى في السياسة الدولية. وظهر بايدن على نحو لا يقل سوءا عن ترامب، ولم يأخذ برأي وزيري الخارجية، أنتوني بلينكن، والدفاع، لويد أوستن، اللذين نصحا بالتريث وتنظيم نقل الحكم بكابول. ولم يكن أحد يتوقع أن يكون بايدن خفيفا إلى هذا الحد، بعدما حاول أن يصنع لنفسه صورة الرئيس الرصين، في مسعىً لمحو صورة ترامب الذي يتحلّى بحضور كبير بوسائل الإعلام والمسرح السياسي بوصفه شخصيةً شعبويةً، ذات تأثير خطير على العلاقات الدولية. وقد لا يشكل بايدن القدر ذاته من الخطورة على هذا الصعيد، إلا أنه خلط الأوراق، وأوجد شرخا مع أوروبا سوف يتعمّق مع الزمن، بما يمكن أن يُنذر بنظام دولي جديد.