يونس جنوحي
كم تبلغ درجات الحرارة هذه الأيام في أقاصي الأطلس؟ لا تتفقدوا هواتفكم لمعرفة درجات الحرارة هنا وهناك، فلا أحد يُدرك حقيقة قساوة الطقس سوى الأهالي الذين يقطنون بين ثنايا الأطلس المتوسط والكبير.
فهؤلاء يستقبلون هذا العام شتاء قارسا وأشد وطأة مقارنة مع السنوات الماضية، والسبب تقلبات المناخ حول العالم.
هؤلاء الأهالي يعيشون في قرى ما زالت تسير وفق نظام السوق الأسبوعي. لا يعرفون الصيدليات ولا الأمور المستعجلة، كل شيء عندهم يمكن أن ينتظر إلى يوم السوق، بما في ذلك آلام الأسنان والجروح والمواد الغذائية.
يتحرك هذه الأيام عدد من الجمعيات يقودها شبان مغاربة يعملون في مختلف القطاعات، ويتوزعون في أكثر من مدينة مغربية، لبداية أنشطة فك العزلة عن القرى المعنية بموجة البرد القارس.
وهذه الجمعيات تتعاون مع مؤسسات خيرية أجنبية في أوروبا على الخصوص، لتقديم المساعدات لآلاف الأسر، وإنقاذ آلاف التلاميذ المغاربة في المناطق المعزولة ومساعدتهم على اجتياز محنة فصل الشتاء.
لكن لا أحد يلتفت إلى أكبر جمعية خيرية، غير مرخص لها، في المغرب. يتعلق الأمر بالأساتذة الذين يُدرسون هؤلاء التلاميذ، خصوصا الأساتذة الملتحقين حديثا بالتعليم خلال هذا الموسم، والذين، عمليا، لم يتوصلوا برواتبهم بعدُ، في انتظار أن يُصرف لهم «الرابيل».
هؤلاء الأساتذة، وبينهم نساء بطبيعة الحال، منهم من سوف يرى الثلج لأول مرة في حياته هذا الشهر، وسوف يجرب إحساس فتح الصنبور صباحا ليكتشف أن الماء متجمد منذ الليلة الماضية في المواسير، ويتعين على الجميع انتظار طلوع الشمس لكي يسري الدفء قليلا في الأجواء. وإذا لم تُشرق، وهذا حال الجو في دجنبر وطيلة أيام الشتاء القارس، فعلى الجميع أن ينتظروا حلولا أخرى كلها تُستعمل فيها النيران وحطب التدفئة.
وإذا ذهب هؤلاء الأساتذة إلى الأقسام التابعة لوزارة التعليم، فعليهم أن يجدوا طريقة لتوفير التدفئة، قبل بداية الحصة الدراسية. إذ يستحيل أن يتمكن إنسان من إمساك القلم أو الطباشير بطريقة صحيحة في ذلك الجو القارس.
أقسام مبنية بمواد مصنعة قابلة للتفكيك وإعادة التركيب، وينتظر منها أن تصمد أمام قساوة البرد في مناطق تنزل فيها درجات الحرارة تحت الصفر بكثير. ولولا السياسة القديمة المتبعة في البناء منذ أيام الاستعمار الفرنسي، لما وجد مُعلم واحد زاوية لإنشاء المدفأة التقليدية.
وهنا نتساءل، هل يعلم مديرو الأكاديميات، باعتبارهم المسؤولين المباشرين عن قطاع التعليم في الأقاليم، أن المُعلمين يكلفون التلاميذ بتوفير الحطب لمواجهة البرد؟ في حين أن واجب الوزارة أن تُجهز الأقسام والفصول الدراسية لكي تكون الدراسة خلف أبوابها ممكنة.
ورغم أننا نسمع كثيرا عن البرد القارس، إلا أننا لم نسمع أبدا أن مُعلما تخلى مثلا عن تلاميذه وعاد إلى منزل عائلته في المدينة، لكي يمدد رجليه قرب جهاز التدفئة الكهربائي.
في المقابل، نسمع كثيرا عن رؤساء الجماعات الذين يتركون آلاف المواطنين في العزلة والبرد وأمتار من الثلوج المتراكمة، ولا يجدون حرجا في إعلان استقرارهم في الرباط، تاركين الجماعة وثلجها بين يدي الله.
هؤلاء الأهالي يعيشون هذه الأيام على وقع العزلة القاسية. من جهة، يُحرم عليهم جمع الحطب من الغابات التي عاش فيها أجدادهم منذ مئات السنين، بحكم أن القانون يمنع الرعي الجائر وقطع الأشجار عشوائيا لتوفير الحطب، ومن جهة أخرى، لا يتوفرون على الموارد المالية أو التقنية لمواجهة الشتاء، ولولا الزيت البلدية والجلابيب الصوفية لانقرضوا منذ زمان.
في أغلب الدول التي تتساقط فيها الثلوج، يمكن لأي مواطن من السكان المحليين أن يحمل فأسه ويقطع من الغابة ما يكفيه من الحطب، لمواجهة البرد القارس. بل يمكن لأي أحد الآن في أوروبا وأمريكا أن يتوجه إلى أقرب غابة لمنزله، ويقطع شجرة «الميلاد»، للاحتفال برأس السنة. لكن عندنا نحن يُمنع على القرويين البسطاء قطع الأشجار، لتوفير الحطب لأبنائهم، في حين لا يزال التحقيق يُفتح سنويا في رخص استغلال غابات الفلين وتنام نتائجه في رفوف إدارات الرباط!