شجاعة فاقدة للصلاحية
“للنصر ألف أب بينما الهزيمة يتيمة”. ينطبق هذا القول على ما أسفرت عنه صناديق الاقتراع، بحيث بدأنا نرى كيف يتسابق بعض الذين لم يساهموا في هذا النصر ضد تجار الدين لكي ينسبوا لأنفسهم نصيبا من أسباب الانتصار، كما رأينا الحزب الخاسر يتبرأ من الهزيمة ويدعي عدم فهم أسبابها ويلقي باللائمة على أياد خفية قزمت حجم حزبهم وضخمت أحزاب خصومهم.
وما أستغرب له شخصيا هو حال بعض الناس كانوا إلى حدود الأمس يتغزلون في حزب العدالة والتنمية ويعددون مناقبه ونقاط قوته طالبين وده راغبين بالقرب منه، متوقعين اكتساحه للمقاعد، كيف أصبحوا اليوم يبرعون في وصف أسباب اندحاره وتقهقره إلى مؤخرة الترتيب، معطين عن أنفسهم صورة حرباوات بارعة في تغيير الألوان.
كتاب وسياسيون وصحافيون ومعلقون كانوا يمارسون التقية عندما يتعلق الأمر باتخاذ موقف حاسم من الحزب الذي كان يسير الحكومة أصبحوا اليوم يجلدونه علانية دون أن يرف لهم جفن.
البعض خرج من مخبئه لكي يهنئ نفسه والمغاربة على انزياح هذه الغمة، والبعض الآخر نشر صورة له مبتسم الثغر تعبيرا منه عن سعادته بذهاب عهد بولحية.
أين كان كل هؤلاء يا ترى عندما كان هذا الحزب الذي يشمتون اليوم في سقوطه المذل يجلد الشعب طوال عشر سنوات؟ لماذا لم نسمع لهم رأيا في جريدة أو مشاركة في مسيرة أو مرافعة في ساحة؟
كنتم تضعون رجلا هنا ورجلا هناك، حفاظا على مصالحكم مع هؤلاء ومع الآخرين، واليوم تقفزون مثل الضفادع نحو الضفة الأخرى حيث العشب أكثر خضرة.
والسؤال الذي أود أن أطرحه على هؤلاء الحداثيين سكر زيادة وتقدميي أيام الآحاد ويساريي الكافيار والسيغار الذين ينزلون هذه الأيام من بروجهم العاجية لكي يطلقوا النار نحو سيارة إسعاف اسمها العدالة والتنمية، هو أين كنتم أيها السادة طوال عشر سنوات؟
أين كنتم عندما كان هذا الحزب يصول ويجول، يجيز القوانين التي يريد ويضع الناس الذين يريد في المناصب التي يريد؟ أين كنتم عندما جرجرنا وزراء وقياديو هذا الحزب أمام المحاكم بسبب قيامنا بواجبنا الصحافي في مراقبة تسييرهم؟ أين كنتم عندما حكمت علينا المحاكم بمئات الملايين لصالح وزرائهم؟ أين كنتم عندما كان محاموهم يرسلون الأعوان القضائيين للحجز على مقر جريدتنا وحساباتنا البنكية لاستخلاص غراماتهم الثقيلة التي حكم لهم بها القضاء؟
أين كنتم عندما كانوا يشتموننا ويصفوننا بالكذب والاختلاق والتضليل ويطلقون علينا انكشاريتهم الالكترونية لكي تنشر حولنا الإشاعات والأباطيل؟
أين كنتم عندما كنا ننشر فضائحهم بالدليل القاطع وكانوا يردون علينا بالشكايات الكيدية أمام القضاء وبحرمان جريدتنا من إعلانات وزاراتهم والإدارات التي تدور في فلكهم؟
ولا أحد منكم أصدر ولو تضامنا بسيطا معنا ضد هؤلاء الذين كانوا إلى حدود الأمس مهابي الجانب. وطبعا فمنكم من كان ينافقهم خوفا من جبروتهم ومنكم من كان ينافقهم حبا في تعيين في منصب رفيع من تلك المناصب التي كان رئيس الحكومة يعلن عنها بين خميس وآخر في الجامعات والمؤسسات العمومية.
جامعيون ورجال أعمال وباحثون ومثقفون وسياسيون… كلهم كانوا حريصين على عدم فتح أفواههم إلا عند طبيب الأسنان، واليوم عندما انفرط عقد الحزب الحاكم وتفرق من حوله التابعون انفكت عقدة لسانهم واكتشفوا هواية إطلاق النار نحو سيارة الإسعاف.
لهؤلاء يمكن أن نقول كان الأجدر بكم لو أنكم هاجمتم هذا الحزب عندما كان في قمة جبروته، مع كل ما كان سيترتب عن ذلك من عواقب بالنسبة لوضعكم المهني والشخصي، أما الآن وقد أصبحت جثة الحزب مطروحة فوق الأرض يدوسها حتى أبناؤه فالأنسب لكم أن تغلقوا أفواهكم المشرعة وأن تستمروا محافظين على جبنكم الفطري، فليس من قبيل الشجاعة في شيء رشق الأموات بالحجارة.