شوف تشوف

الرأي

شارلي إبدو وإيديولوجية اليمين البديل

حميد لشهب

احتفلت فرنسا في الأيام القليلة الماضية باستمرار المجلة «الساخرة» شارلي إبدو في الإساءة عمدا للمسلمين، معتبرة ذلك ليس فقط حقا في التعبير، بل أيضا دفاعا عما تسميه عبثا «الفن الكاريكاتوري». ليس لي شخصيا أي مشكل لنشر أعداء العرب والمسلمين لمثل هذه الرسائل العدائية، لأنني أميز جيدا – أو هكذا يظهر لي- بين الإثارة الإيديولوجية للفاشية الفرنسية الجديدة، التي تمثلها مثل هذه المنابر، وبين العمل الفني الرصين. لا أشعر بأن أَوباشا مثل هؤلاء يمسون بمشاعري الدينية، لكنني أتفهم موقف المسلم البسيط، الذي ورث دينه شفاهيا ويرفض رفضا قاطعا السخرية من نبيه.
بعد تأمل إصرار شارلي إبدومادير على الاستمرار في جرح مشاعر المسلم بهذه الطريقة، لم أجد بدا من ربطه بالموضة الجديدة لحركة اليمين البديل في الغرب.
ينتمي «اليمين البديل» إلى إيديولوجية «تفوق البيض» المدافعة عن القومية البيضاء، والرافضة لكل القوميات والأعراق الأخرى. إنهم بعبارة قصيرة، نازيون وفاشيون جدد.
وتجدر الإشارة إلى أن الحملة الانتخابية لترامب عام 2016، كانت هي الأخرى تحمل مشعل هذه الحركة المتعصبة والعنصرية الكارهة لكل ما هو غير أبيض. ولكي يُرضي ترامب المنتمين لفكر هذه الحركة، حمل العديد من المنضمين والمدافعين عن الحركة وظائف سامية في إدارته، كستيفن ميلر وجوليا هان ومايكل فلين وسباستيان غوركا.
يقول أستاذ العلوم السياسية جورج هولي في كتابه «فهم اليمين البديل»: «يجب ألا يستغرب الناس للآراء، التي ظهرت على السطح ضد السود وضد الأجانب وضد المكسيكيين وضد المسلمين وضد اليهود وضد المهاجرين وضد المثليين وضد الفقراء والمحتاجين». ويعتبر ريتشارد سبنسر أحد قادة اليمين الجمهوري المتطرف. وطبقا لهذا الكتاب، فإن سبنسر يرفض تهمة «الاستعلاء الأبيض»، لأن ما يؤمن به وما يدافع عنه هو «التفوق الأبيض»، الحاصل في كل الميادين في نظره، وهو الذي يضمن تفوق الحضارة الغربية البيضاء ونظامها الديمقراطي وعلومها وتكنولوجيتها ودساتيرها وقوانينها إلخ. بكلمة مختصرة، تغذية المركزية الغربية والاعتقاد بأنها «أزلية».
تتجلى ثقافة اليمين البديل في الغرب في حُلَل مختلفة ويلجأ إليها الكثيرون، على الرغم من مناهضتم الظاهرية لها، باستعمالهم لتكتيكها. ونجد هذا التكتيك بجلاء في استماتة شارلي إبدو، في محاولة إقصاء المسلمين وإجلائهم من فرنسا عن طريق اللجوء للمس بمشاعرهم الدينية. يستخدم اليمين البديل الدعابة والسخرية والميمات والتلميحات بكثرة. والقليل من المتلقين يستطيعون التمييز بين الرسائل السياسية الموقوتة في هذه الدعابة، والدعابة الفنية المجردة. وهنا بالضبط نلمس أسلوب شارلي إبدو، الذي يوهم بأنه يمارس الدعابة ولا يقصد الإساءة للمسلمين. كما يعمد اليمين البديل إلى التحرش بكل أشكاله، قصد زعزعة «العدو»، ويعني التحرش هنا المس بكرامة شخص أو مجموعة من الأشخاص، بهدف إثارتها ودفعها إلى ارتكاب أخطاء للبرهنة على أنها بدائية متوحشة منفعلة لا تستحق العيش في فرنسا الأنوار.. ويستغل في التحرش بعدا آخر يتمثل في إشهار المبدأ الوثني للغرب برمته، والمتمثل في «حرية التعبير». يوهم الغرب نفسه، والعالم من حوله، بأنه صنع هذا الوثن لكي يعبده الكل.
منطقيا يستغل أمثال شارلي إبدو سذاجة الغالبية العظمى من المسلمين، للوصول إلى أهدافه وإثارة الفوضى، بل الدفع بالمتطرفين المسلمين إلى القيام بأعمال لا تخدم لا الإسلام ولا المسلمين. والواقع أن المفكر المسلم، والعربي بالخصوص، يتحمل مسؤولية جمة في هذا التوظيف لأنه لا يتصدى له بتنوير الساحة المسلمة، وبالخصوص الشعبية بحقيقة دينها، بل كثيرا ما يقف في صف المستعمر القديم ويحتج ضد المسلمين، ناعتا إياهم بكل الصفات القدحية. فتخلي المفكر «المتنور» عن المسلمين تحت ذريعة جهلهم وسوء فهمهم لدينهم، يدفعهم إلى الارتماء في أحضان فقهاء الحيض والنفاس في أحسن الأحوال، أو المتطرفين في أسوئها.
وبما أن شارلي إبدو، وكما قلنا، تهدف في المقام الأول إلى الإساءة للمسلمين، لأنها لا تستطيع الإساءة للإسلام كعقيدة فرضت نفسها على مر العصور – ولن يصيبها شيء من صُياح دِيكَة الإمبريالية الجديدة-، فعلى المفكر المسلم أن يعتق رقبة الشعوب المسلمة من الجهل المتعمد بدينها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى