شوف تشوف

الرأيالرئيسيةثقافة وفنمجتمع

سيد الرجال

 

 

“باشا بازي” لقب تحقيري يطلقه الأفغان على مجموعة من الأطفال الذكور القاصرين، الذين يمتهنون الدعارة والرقص. استمرت هذه الممارسات الإجرامية لعقود طويلة، رغم الأصوات المنددة بها داخل أفغانستان وخارجها.  يتم إرغام الباشا بازي على ارتداء ملابس نسوية واستعمال مساحيق التجميل أثناء تقديمهم للعروض الراقصة.

صحيح أن المخيلة الجماعية تنسج رابطا قويا بين المفهوم الجندري للأنوثة ومجموعة من الممارسات، مثل الرقص والغناء والزينة. حيث ترمز الأنثى، كقيمة مطلقة، إلى ماهية الجمال. إذ تسعى النساء في معظم الحضارات، ومن خلال طقوس التجمل واستعراض المفاتن وتسخير الجاذبية الجنسية، إلى محاولة غريزية لجلب الشريك المناسب بحسب نظرية Hypergamy المثيرة للجدل.

فإذا كانت الإناث يلجأن إلى استخدام أسلحة الغنج والدلال للظفر بفارس الأحلام المنتظر، فماذا يستخدم الذكور من أسلحة في سعيهم الحثيث إلى الحصول على «عودة» أحلامهم؟ جدير بالذكر أن الرجل لم يسلم أيضا من السقوط في فخ القوالب الاجتماعية الجاهزة التي ربطت مفهوم الرجولة بقيم الشجاعة وروح المغامرة، وجعلت من القوة البدنية سمة أساسية للجندر الذكري، إذ يسعى الرجل إلى استمالة الشريكة المحتملة، عبر توفير الضمانات المادية والحماية الجسدية والمعنوية. لقد خلقت هذه الأنماط الاجتماعية تصورات محددة لما يجب أن تكون عليه ثنائية الأنوثة والذكورة. غير أن العديد من التيارات الفكرية، الغربية على الخصوص، أصبحت ترفض التقيد بهذه القوالب الجندرية التقليدية، وتسعى جاهدة إلى إعادة بناء المفاهيم الجنسانية المتعلقة بالرجل والمرأة. حيث أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي، على سبيل المثال، مسرحا لتبادل الأدوار بين النساء والرجال.

إذ لاحظنا، في السنوات الأخيرة، ارتفاعا ملحوظا في عدد «الشلاغم» الذين أصبحوا يتجولون عراة «مكلضمين» في مختلف التطبيقات. أضحى التجول في «التيكتوك»، مثلا، بمثابة التجول في شاطئ للعراة. حيث تلاحقنا أفخاذ وصدور الرجال أينما ولينا وجوهنا.

إن التحول المفصلي الذي طرأ على شخصية الرجل المغربي الانستغرامي، يجعلنا نتساءل بقلق هل أصبحت الرجولة في خطر؟ ما الذي حدث حتى تحول الشاب المغربي من مقاوم ضد المستعمر، ومرابط باسل على الحدود وراع حريص على أنثاه، إلى محترف للستربتيز وصانع «لميني فلوغ»؟ أين يكمن الخلل الذي يدفع شبابا «لحيتهم تشطب السوق» إلى نزع ملابسهم لإثارة غرائز القاصرات والزوجات اليائسات؟ هل لا يجوز تمرير هذا النوع من الرسائل الهادفة في ظاهرها «ونتا لابس تيشورتك وسروالك أخويا؟». إن الاستعراض الجسدي الممزوج بالإيحاءات الجنسية لهؤلاء الشباب طرح سؤالا مهما حول مفهوم التشييء الذي تعرضت له النساء على مر التاريخ.

لا تفوتنا الاشارة إلى التحول الكبير الذي طرأ على مفهوم النجاح أيضا. إذ اقتصر النجاح في الماضي على التحصيل العلمي والاجتهاد في التجارة، أو الدفاع عن القبيلة والوطن ضد العدو. كانت صناعة المجد الشخصي أمرا مرهقا قد يستغرق من صاحبه عمرا. غير أن عصر «الميتافيرس» قلب المفاهيم وأخل بالموازين. حيث أصبح النجاح مرتبطا بعدد المتابعين وأرقام المشاهدات والإشهارات. ساهمت الطرق السهلة والسريعة في الحصول على المال في اجتثاث العديد من المعتقدات التي كنا نظنها راسخة، وأبرزها مفهوم الرجولة كقيمة إنسانية عليا. لكن هل يجوز التحامل على شباب اليوم الذي يصارع شبح البطالة والتفقير؟ وإلقاء اللوم على عضلاته المفتولة كمتسبب رئيسي في انهيار قيم النخوة وزعزعة استقرار الأسرة المسلمة؟ هل الشاب الذي اختصر طريق الآلام الذي يمر عبر الوظيفة العمومية أو «الكابلاج» أو مراكز الاتصال، وقفز عاريا إلى طريق الحرير الانستغرامي الذي يغدق عليه آلاف الدولارات وملايين المعجبات، أسوأ حالا من كهل متقاعد أفنى حياته في خدمة البلاد والعباد. لينتهي به الأمر بمعاش هزيل وصحة مهترئة؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى