يونس جنوحي
خبر انفجار الغواصة السياحية التي كانت تُقل في جوفها ضيوفا غير عاديين، من أشهر الأثرياء في بلدانهم، يستحق فعلا وقفة تأمل.
هؤلاء الأثرياء الذين تزداد ثرواتهم بآلاف الدولارات في الثانية الواحدة، ولا يمكن أن يعرفوا مقدار ثروتهم بالضبط لأنها في تضاعف مستمر، يستثمرون في كل ما يحيط بنا. ولا يجدون سعادتهم إلا في ممارسة الغرائبيات.
الغواصة الصغيرة، «تيتان»، التي كانت تقل الضحايا في رحلتهم الأخيرة إلى عمق المحيط الأطلسي، نزلت إلى قاع المحيط حرفيا، أي أنها نزلت إلى آلاف الأمتار، ولم يعد يفصلها عن مقدمة سفينة «تايتانيك» الشهيرة سوى 500 متر أفقيا.
وحسب ما أورده الخبراء، فإن الغواصة الصغيرة تجاوزت الضغط الذي يمكنها تحمله بأربعمائة مرة، وهو ما يعني أن انفجارها سوف يكون شديدا، وسوف تنكمش على هيكلها أولا، قبل أن تتلاشى في عمق المحيط.
المدير التنفيذي للشركة المسؤولة عن الغواصة، كان من بين الركاب الخمسة الذين لقوا حتفهم، وهو الملياردير ريتشارد راش.
وشركته اليوم، «أوشن غيت» تعيش أسوأ أيامها، رغم بعض توقعات رجال أعمال أمريكيين أن يشكل حادث التحطم دعاية كبيرة لهذا النوع من المغامرات.
في البداية يبدو الأمر ضربا من الجنون، لكنه في الحقيقة أمر واقع، وسبق أن عاش العالم تاريخيا أمرا مماثلا.
عندما تحطمت باخرة بريطانية في أواخر فترة 1880 بالقرب من السواحل المغربية، على بعد أمتار فقط من مدينة طنجة، ووفاة كل ركابها بمن فيهم ابنة أحد الدبلوماسيين البريطانيين المشاهير، فوجئ الرأي العام البريطاني بازدياد عدد الرحلات البحرية صوب المغرب.
وفي سنة 1683 غرقت سفينة هولندية في سواحل طنجة، وكانت تلك أول مرة يخلق فيها غرق سفينة أوروبية في السواحل المغربية الحدث.
السفينة التي تحطمت كانت من النوع العابر للمحيطات، لكنها لم تصمد أمام قصف مدافع البحارة المغاربة، الذين كانوا يمارسون الجهاد البحري ضد البواخر الأوروبية التي تعبر المياه المغربية.
وبعد الحادث مباشرة ازدادت أعداد السفن المتجهة صوب المغرب.
في حالة الغواصة «تيتان»، التابعة لشركة الملاحة السياحية، فإنه من المرجح أن تنطلق من جديد رحلات لتفقد حطام سفينة «تايتانيك» الشهيرة، وهناك أثرياء مجانين حول العالم مستعدون لدفع ملايين الدولارات مقابل عيش مغامرة مشابهة.
هناك أثرياء حول العالم، يدفعون بسخاء مقابل تجارب توضع فيها حياتهم على المحك.
هناك من دفعوا الملايين مقابل قضاء ليلة واحدة في معتقلات النازية بألمانيا. وهناك شركات تستثمر في هذا النوع من المغامرات، وتحصل على عمولات خيالية مقابل وضع زبنائها في حالات حرجة.
السفينة الهولندية التي تحطمت في السواحل المغربية سنة 1683، عُثر على حطامها سنة 2018، ونقلت الصحافة البريطانية الخبر. إذ إن عمليات التنقيب التي تمارسها بعض الشركات البريطانية قرب السواحل المغربية، أفضت إلى اكتشاف حطام السفينة الهولندية بالصدفة، وترك الخبر صدى واسعا في أوساط الباحثين الأجانب.
لماذا لا تستثمر السياحة المغربية في رياضة الغوص، لمعاينة حطام السفن المغربية والأجنبية الغارقة في السواحل.
هناك حطام سفن إسبانية وبرتغالية يعود إلى القرن 17، عندما كان البرتغاليون يهاجمون مدينتي آسفي والصويرة لاحتلالهما. وبين الفينة والأخرى يُعلن عن اكتشاف حطام سفن قديمة في سواحل هذين المدينتين.
هناك سياح حول العالم مستعدون لدفع تكلفة الرحلة دون أن ينظروا إلى الرقم، مقابل أن يعيشوا تجربة غير عادية.
حادث تحطم الغواصة قرب سفينة «تيتانيك» خلف تعاطفا كبيرا مع الضحايا، ولحد الآن ليس هناك ما يُثبت إهمالا في معايير السلامة من طرف الشركة المعنية، خصوصا أن مديرها التنفيذي كان من بين الضحايا.
هناك تحقيق أطلقه خفر السواحل الأمريكي لمعرفة كل تفاصيل الحادث، وقد انطلق قبل يومين فقط. لكن يبدو أن الصحافة الدولية تتجه صوب تبرئة الشركة، قبل أن تصدر النتائج النهائية للتحقيق.
مغامرات من هذا النوع، لا بد أن ترافقها «أعراض جانبية». وإلا لاتجه الركاب الهالكون إلى أغلى فندق يطل على البحر، بدل أن ينزلوا إلى عمق يصل إلى أربعة كيلومترات تحت سطح الماء!